وقسم قد تقدّمه ما يعود عليه الضمير معنى لا لفظا ، نحو قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(١). أي : العدل أقرب للتقوى ، فعاد الضمير على المصدر لدلالة الفعل المتقدم عليه. ومنه قولهم : من كذب كان شرّا له ، أي كان الكذب شرّا له ، فأضمروه لدلالة «كذب» عليه. ومنه قول الشاعر [من الطويل] :
إذا اكتحلت عيني بعينك مسّها |
|
بخير وجلّى غمرة من فؤاديا (٢) |
أي : مسّها الاكتحال ، فأضمره لدلالة «اكتحل» عليه.
وقسم تقدّمه ما يعود الضمير عليه لفظا ومعنى. وينقسم ثلاثة أقسام : قسم قد تقدّمه باللفظ والمرتبة ، نحو : «ضرب زيد غلامه» ، فالضمير عائد على «زيد» ، وهو متقدّم عليه في اللفظ والمرتبة ، لأنّ مرتبة الفاعل أن يتقدّم على المفعول.
وقسم يتقدّمه باللفظ دون المرتبة ، وذلك نحو قولك : «ضرب زيدا غلامه» ، فـ «زيد» متقدّم على «الغلام» في اللفظ والنيّة به التأخير لأنّه مفعول.
وقسم تقدّمه بالمرتبة دون اللفظ وذلك نحو قوله : «ضرب غلامه زيد» ، لأنّه فاعل وإن كان مؤخرا في اللفظ.
فأمّا : «ضرب غلامه زيدا» ، فلا يجوز أصلا لئلا يتقدّم الضمير على ما يعود عليه في اللفظ والمرتبة ، وليس من باب ما يفسّره فيه ما بعده. فأما قوله [من الطويل] :
٤٥٥ ـ جزى ربّه عنّي عديّ بن حاتم |
|
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل |
__________________
(١) سورة المائدة : ٨.
(٢) تقدم بالرقم ٥٦.
٤٥٥ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٩١ ؛ والخصائص ١ / ٢٩٤ ؛ وله أو لأبي الأسود الدؤلي في خزانة الأدب ١ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٧ ؛ والدرر ١ / ٢١٧ ؛ وللنابغة أو لأبي الأسود أو لعبد الله بن همارق في شرح التصريح ١ / ٢٨٣ ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٤٨٧ ؛ ولأبي الأسود الدؤلي في ملحق ديوانه ص ٤٠١ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٩٠ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٢٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٥٩ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٥٢ ؛ ولسان العرب ١٥ / ١٠٨ (عوي) ؛ وهمع الهوامع ١ / ٦٦.
الإعراب : جزى : فعل ماض. ربّه : فاعل مرفوع وهو مضاف ، والهاء : في محلّ جرّ بالإضافة. عنّي : جار ومجرور متعلّقان بـ «جزى». عديّ : مفعول به منصوب. بن : نعت «عديّ» ، منصوب ، وهو مضاف. حاتم : مضاف إليه مجرور. جزاء : مفعول مطلق منصوب ، وهو مضاف. الكلاب : مضاف إليه مجرور.