التأريخ على الليالي دون الأيام ، وغلّب المؤنّث على المذكّر. وهذا المذهب فاسد ، لأنّك إذا أرّخت بالنظر إلى ما تقدّم من الشهر أو من السنة ، وقد علم أنّ الشهر ليلة ، لم يسقط بذلك الليلة الأولى ببنائنا التأريخ على الأيام ، وكما أنّك إذا بنيت التأريخ على الليالي فمعلوم أنّ مع كل ليلة يوما ، فكذلك إن بنيت التأريخ على الأيام لكان معلوما أنّ مع كلّ يوم ليلة ، لأنّك لا تريد أن تعرف القدر الذي بينك وبين المؤرخ بالنظر إلى أول الشهر أو السنة من الليالي والأيام ، وإنّما بني التأريخ على أحدهما فالآخر تابع له.
وليس بناؤهم التأريخ على الليالي من قبيل تغليب المؤنث على المذكر ، لأنّ التغليب إنّما هو أن يجتمع المذكّر والمؤنّث ، فيغلّب أحدهما على الآخر ، وإنّما هذا من باب الاستغناء بالمؤنّث عن المذكّر.
ومنهم من قال إنّما غلّب المؤنّث على المذكّر ، لأنّ المؤنّث في التأريخ قبل المذكر ، لأنّ أول الشهر العربي ليلة ، وإنّما غلّب المذكر على المؤنّث لأنّه أسبق منه ، فلما كان المؤنث في هذا الباب قبل المذكر ، غلّب عليه. وهذا فاسد ، لأنّه قد تقدم أنّ هذا ليس من باب التغليب ، وإنّما هو من باب الاستغناء بالمؤنّث عن المذكّر.
ومنهم من قال : إنّما بني التأريخ على الليالي دون الأيام ، لأنّ أول الشهر ليلة كما تقدم ، فإذا أرخّت ولم يمض من الشهر إلّا ليلة أرخت بها ، فلما ثبّت التاريخ بالليلة الأولى بني التاريخ فيما بقي على الليالي دون الأيام ، ليكون التأريخ عن جهة واحدة. وهذا حسن جدا.
وقد يتصور أن يكون التأريخ إنّما بني على الليالي دون الأيام ، لأنّ عدد المؤنّث أخفّ من عدد المذكّر ، لأنّ عدد المؤنّث لا علامة فيه للتأنيث وعدد المذكر لا بدّ فيه من علامة ، فلما كان عدد المؤنّث أخفّ بني التاريخ عليه. فإذا زاد العدد على عشرة استوى المذكّر والمؤنّث ، فبني التأريخ على الليالي إذ كان قد بني عليها فيما دون العشرة للعلّة التي ذكرت لك.
وأعني بقولي : «استوى عدد المذكّر والمؤنّث» ، أن تقع علامة التأنيث في آخر العدد المركّب إن بنيت على التأنيث ، فتقول : «ثلاث عشرة» ، وتقع في آخر الاسم الأول إن بنيت على التذكير ، فتقول : ثلاثة عشر ، فلما استوى في الثقل بني على التأنيث ، لما كان قد حمل فيما دون العشرة عليه.