وأما قول العرب : «سار خمس عشرة بين يوم وليلة» ، فيتصوّر فيه وجهان : أحدهما أن يريد أنّ «الخمس عشرة» فيها ليال وأيام ، فيكون من باب التغليب. والآخر أنّ «الخمس عشرة» ليال كلّها لكن يتبعها من الأيام عدّتها فيكون قولهم : «بين يوم وليلة» تأكيدا من طريق المعنى ، أو يكون أوقع العدد على المدّة ، فجعل اليوم والليلة مدّة ، فقال : خمس عشرة مدة ، ثم فسّر فقال : من بين يوم وليلة ، فيكون هذا من باب الاستغناء.
وإذا ذكرت تمييز العدد ، فلا يخلو من أن يكون مفردا أو مجموعا. فإن كان مفردا فالأولى أن تقول : «خلت» أو «بقيت» ، حملا على لفظ التمييز ، ويجوز «خلون» و «بقين» على المعنى ، كما قال الشاعر [من الكامل] :
٤٩٥ ـ فيها اثنتان وأربعون حلوبة |
|
سودا كخافية الغراب الأسحم |
فحمل سودا على المعنى.
وكذلك : «كتبت هذا الكتاب لعشرين يوما خلا» ، حملا على اللفظ ، ويجوز : «خلون» قليلا ، و «خلت» ، كثيرا ، فيكون حملا على المعنى.
وإن كان جمعا ، جاز فيه وجهان : أحدهما أن تخبر عنه إخبار الواحدة المؤنثة ، وذلك
__________________
٤٩٥ ـ التخريج : البيت لعنترة في ديوانه ص ١٩٣ ؛ والحيوان ٣ / ٤٢٥ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٣٩٠ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٧ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٦٢٥ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٥٥ ، ٦ / ٢٤.
اللغة والمعنى : الحلوبة : أي المحلوبة ؛ ويقال : ناقة حلوب وحلوبة. الخافية : جمعها الخوافي ، وهي ريشات إذا ضمّ الطائر جناحيه خفيت. الأسحم : الأسود.
يقول : في حمولتها اثنتان وأربعون ناقة تحلب ، سود كخوا في الغراب الشديد السواد. وقد ذكر سوادها دون سائر الألوان لأنّها أعزّ النوق وأنفسها.
الإعراب : فيها : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم. اثنتان : مبتدأ مؤخّر مرفوع بالألف لأنّه ملحق بالمثنّى. وأربعون : الواو : حرف عطف ، أربعون : اسم معطوف على «اثنتان» مرفوع بالواو لأنّه ملحق بجمع المذكّر السالم. حلوبة : تمييز منصوب. سودا : نعت «حلوبة» ، أو حال من العدد «اثنتان وأربعون» ، أو حال من «حلوبة». كخافية : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لـ «سودا» ، وهو مضاف. الغراب : مضاف إليه مجرور. الأسحم : نعت «الغراب».
وجملة (فيها اثنتان ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة أو استئنافيّة.
والشاهد فيه قوله : «سودا» وهو نعت لـ «حلوبة» روعي فيها المعنى.