فزعم الأصمعي أنّ الرواية الصحيحة فيه : «فيا راكبا» ، من غير تنوين. فعلى هذا لا حجّة فيه ، لأنّه يجوز أن يكون من نداء النكرة المقبل عليها ، ثم أجري مجرى المندوب ، لأنّ العرب قد تلحق ذلك في المنادى ، أعني أنّها تلحق آخره ما تلحق آخر المندوب ، وعلى تقدير صحة رواية من روى بالتنوين لا حجة فيه ، لأنّه قد يجوز أن يحمل على ما حملت عليه هذه الأبيات التي قبله.
وكذلك ما جاء من قولهم : «يا عجبا» ، لا حجة فيه على نداء النكرة ، لأنّه يجوز أن تكون «يا» فيه تنبيها لا حرف نداء ، كـ «ها» من «هذا» ، ويكون «عجبا» مصدرا منصوبا بإضمار فعل ، ويجوز أن تكون «يا» فيه حرف نداء والمنادى محذوف ، وهو منصوب على إضمار فعل ، كأنّه قال : يا قوم اعجبوا عجبا.
قال : فإذا أمكن حمل هذه الأبيات على ما ذكرنا ، فلا حجة فيها.
وهذا كلّه من نداء النكرة غير المقبل عليها ، إذ لا يستحيل النداء من غير إقبال على شخص بعينه كما يقول الأعمى : «يا رجلا خذ بيدي» ، ولا يقصد من الناس أحدا بل من أجابه فهو مراده.
وإذا لم يستحل نداء النكرة ، فإنّ حمل هذه الأبيات عليها أولى من حملها على الضرورة ، والدليل على جواز نداء النكرة غير المقبل عليها قول العرب : «يا رجلا عاقلا» ، ووصفهم له بالنكرة ، ولو كان مقبلا عليها ، لكان معرفة فيجب أن يوصف بمعرفة ، كما قالوا : «يا فاسق الخبيث» ، فوصفوه بالمعرفة.
فإن قلت : إنّما يريد الشاعر بقوله :
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة |
|
... (١) |
__________________
نافية للجنس. تلاقيا : اسم مبنيّ على الفتح في محلّ نصب اسم «لا». والألف : للإطلاق. وخبر «لا» محذوف تقديره : «أن لا تلاقي حاصل لنا».
وجملة (فيا راكبا) الفعليّة على تقدير : «أدعو راكبا» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (عرضت) في محل جزم فعل الشرط. وجملة (فبلّغن) الفعليّة في محلّ جزم جواب الشرط. والمصدر المؤول من (أن وما بعدها) في محلّ نصب مفعول به ثان. وجملة (لا تلاقيا) الاسميّة في محل رفع خبر «إنّ».
والشاهد فيه قوله : «أيا راكبا» حيث زعم الأصمعي أن الرواية الصحيحة فيه : «فيا راكبا» من غير تنوين فيكون من نداء النكرة المقصودة ، ثم أجري مجرى المندوب. وإذا كان منونا فعلا فقد يكون للضرورة.
(١) تقدم بالرقم ٤٩٩.