ومذهب الفراء فاسد ، لأنّ الشرط إذا تقدمه الأمر استغنى بالأمر عن جواب الشرط فتقول : «اضرب زيدا إن قام» ، ولا تقول : «اضرب زيدا إن قام فاضربه». وقد جاء في كتاب الله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ)(١). فلو كان على ما ذكر لم يأت بعد ذلك بـ «أمطر علينا» ، لتقديم الأمر.
وأيضا فإنّه لا يتصوّر أن يتقدّر هنا : يا الله أمّنا بخير إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، لأنّ ذلك تناقض ، فدلّ ذلك على بطلان ما زعم.
والمقيس في الباب هو ما عدل في النداء عن «فعال» ، أو «فعل» ، أو «مفعلان». وإنّما عدل في النداء ، لأنّ العدل لا يكون إلّا في المعرفة ، وهذه الأسماء لا تكون معرفة إلّا في النداء خاصة.
فأما «فعل» فهو مختص بالنداء ولا يستعمل في غيره. وقد جاء في الحديث : «لا تقوم الساعة حتى يلي أمر الناس لكع ابن لكع». و «لكع» هذا ليس هو الذي اختص بالنداء ، وإنّما هو صفة مثل «حطم» و «لبد» ، فيكون غير «فعل» الذي اختص بالنداء. وكذلك «لكاع» أيضا لا يأتي في غير النداء إلّا في ضرورة كقوله [من الوافر] :
أطوّف ما أطوّف ثم آوي |
|
إلى بيت قعيدته لكاع (٢) |
وأما «مفعلان» فزعم أبو القاسم أنّه مما اختص بالنداء. وحكى أبو حاتم السجستاني أنّه قد جاء في غير النداء علما صفة وحكى من كلامهم : «هذا زيد ملأمان» ، و «هذه هند ملأمانة» ، ولذلك امتنع الصرف للتعريف وزيادة الألف والنون.
فإن قيل : إنّما امتنع الصرف للصفة وزيادة الألف والنون ، فالجواب : إنّ الصفة وزيادة الألف والنون لا تمنع الصرف إلّا بشرط أن لا تكون الصفة مؤنّثة بالتاء ، فدلّ ذلك على أنّه علم ، والعلم لا يوصف به.
ويمكن أن يكون هذا بدلا. فإن قيل : إنّ العرب لم تستعمله قطّ إلّا تابعا ، فالجواب : إنّه تابع على طريق البدلية ، وأمّا أن يكون صفة فلا يجوز ، لأنّ الصفة لا تكون إلّا بالمشتق ، والعلمية تذهب منه معنى الاشتقاق ، فحصل من هذا أنّه قد استعمل في غير النداء علما.
__________________
(١) سورة الأنفال : ٣٢.
(٢) تقدم بالرقم ٧٧.