فزعم المازني أنّ أبا يحيى اللاحقي أخبره أنّه سأله سيبويه : هل يحفظ بيتا في إعمال «فعل» فوضع له هذا البيت. قال : فالبيت مصنوع.
وهذا الذي ذكره أبو العباس المبرد لا يلتفت إليه لأنّ سيبويه ذكر البيت ولم يذكر أنّ اللاحقيّ هو الذي أنشده ، وسيبويه رحمهالله أحفظ لما يرويه من أن ينقله عن غير ثقة ، فلا يطعن في روايته بقول من أقرّ على نفسه بالكذب. وأما قوله :
أو مسحل شنج عضادة سمحج |
|
... (١) |
فـ «عضادة» عنده منصوب على الظرفية كأنّه قال : في عضادة سمحج ، والظروف لا ينكر أن تعمل فيها هذه الأمثلة إذ قد تعمل فيها روائح الأفعال ، وأما الذي ينكر إعمالها فيه المفعول به.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد. لأنّ «العضادة» اسم للقوائم ، والأسماء ما عدا اسم الزمان والمكان لا تجعل ظروفا تقاس. وأيضا فإنّ المعنى يفسد. لأنّه يكون إذ ذاك قد شبه فرسه في الجري بحمار منقبض في قوائم أتان ، وذلك مناقض لما يريد من وصفه بالجري ، فثبت أنّ شنجا هذا بمعنى مشنج ، كأنّه قال : مشنج عضادة سمحج ، فيكون إذ ذاك قد شبّه فرسه بحمار يطارد أتانا ، فهو يعضها وهي تعضّه.
ومما يدلّ على إعمال «فعل» قول زيد الخيل [من الوافر] :
٤٠٣ ـ أتاني أنّهم مزقون عرضي |
|
جحاش الكرملين لها فديد |
__________________
(١) تقدم بالرقم ٤٠٢.
٤٠٣ ـ التخريج : البيت لزيد الخيل في ديوانه ص ١٧٦ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ١٦٩ ؛ والدرر ٥ / ٢٧٢ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٦٨ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٨٠ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٧٣ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٤٥ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٢٤ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٤٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٢٥ ؛ وشرح قطر الندى ص ٢٧٥ ؛ والمقرب ١ / ١٢٨.
اللغة والمعنى : أتاني : بلغني. مزقون : ج المزق ، وهو صيغة مبالغة من مزق ، تعني : كثير الهتك. العرض : موضع المدح والذم. جحاش : ج جحش ، وهو صغير الحمار. الكرملين : اسم ماء في جبل طيّىء. فديد : صوت الماشية.
يقول : بلغني أنّ هؤلاء الناس قد هتكوا عرضي ، فلم أهتمّ لأقوالهم لأنّهم بمثابة أصوات الجحاش التي ترد ماء الكرملين للشرب.