الواو وصلا ووقفا نظرنا ، فوجدناهم متى زال الموجب لأمر ما وصلا ووقفا ، ردّوا ذلك المحذوف ، فقالوا : «لم يخافا» ، وردوا الألف التي كانت إنّما ذهبت لالتقائها مع الفاء الساكنة في «لم يخف» ، لأنّ حركة الفاء في «لم يخافا» لازمة وصلا ووقفا.
فكذلك يقاس الترخيم على غيره ، إذ مسائل الترخيم كلّها محمولة على غير الترخيم. ونهاية الاعتراض ها هنا أن يقال : نيّة المحذوف هو رعيه ، فكيف أثبتّم الياء مع رعي المحذوف؟
فكان الانفصال عن هذا أنّ المحذوف في الترخيم عارض ، والعارض قد يراعى ، تارة ولا يراعى تارة أخرى ، فيقال : الحذف هو القياس. فكان القياس هنا ما دام الحذف عارضا أن لا يعتّدوا به ، وتبقى الياء محذوفة ، لكن اعتدّوا بالعارض ليبقوا على ما استقرّ في كلامهم من ردّ المحذوف إذا زال موجب حذفه وصلا ووقفا.
وهذا لم يثبت غيره في موضع من المواضع ، فالأولى أن لا يخالف ويرتكب معه الوجه الأول في رعي المحذوف لأنّهم يرعونه كيفما كان.
وكذلك «يا راد» ، وحملهم على الكسر أنّه لم يستقر في كلامهم الجمع بين ساكنين بهذا الشرط ، وهو نية التشبّث بالحركة ، فالأولى أن لا ينكسر هذا وأن يرتكب أنّ ذلك المنويّ لا يراعى ، لأنّ من كلام العرب عدم الرعي كما ذكرت لك.
ومما يقوّي ذلك قوله تعالى : (مالِيَهْ هَلَكَ)(١) بثبات الهاء.
وإن كانوا لا يرعون هذا الوصل الملفوظ به فالأحرى والأولى أن لا يرعى ما هو غير ملفوظ به. فهذا وجه الانفصال عما اعترضنا به أوّلا.
وأمّا «يا خمسه» ، عند الوقف ، فإنّك كيفما كنت ، واقف ولا بدّ ، والعرب لا تقف على اللغة الشهرى بالتاء ، ولا تقف بالحركة وصلا ، فلهذا لم تراع المحذوف لأنهم قد لا يراعون الملفوظ به كما قلنا ، فالأحرى هذا إذا أدّى رعيه إلى الخروج عن مهيع (٢) كلام العرب.
__________________
(١) يريد قوله تعالى : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ)[الحاقة : ٢٨ ـ ٢٩].
(٢) المهيع : الطريق الواسع الواضح.