إنّما ورد على غير ما ورد عليه الوصف ، فهو معلوم من وجه مجهول من وجه آخر.
وعدم الترخيم في جميع الأسماء أحسن من الترخيم إلّا أن يكون الاسم علما فيه تاء التأنيث ، فإنّ الترخيم فيه أحسن لأنّها زائدة ، والنداء موضع تخفيف ، فأرادوا أن يحذفوا هذا الزائد ، ولهذا قيل من كلامهم : «يا عائش». فالترخيم في «حارث» و «مالك» و «عائش» أحسن منه فيما عدا ذلك ، وعدم الترخيم فيها أحسن. ولغة من ينوي أحسن من لغة من لا ينوي.
وبقي في هذا الباب ما في آخره ثلاث زوائد ، نحو : «بردرايا» ، و «حولايا» فمذهبنا أن لا يحذف منه شيء غير الزائدة الأخيرة فتقول : «يا برداري». وزعم الكوفيون أنّ الزوائد أجمع تحذف ، فتقول : «يا برد». وهذا ليس بشيء ، لأنّ العرب لا تحذف إلّا حرفا واحدا ، وإنّما حذفت الألف والنون وألفي التأنيث وياءي النسب ، لأنّهما زائدتان زيدتا معا ، فلم يمكن إبقاء واحدة منهما لأنّها لا توجد قط وحدها ، فلم يمكن أن تبقى وحدها.
وإنّما حذفوا الزائدة في مثل «منصور» لأنّها ساكنة ، ولم يمكن حذف الراء الأصلية وإبقاء الواو الزائدة. ولا يمكن أيضا حذف الواو خاصة لأنّ الحذف إنّما يكون في الأواخر لا في الوسط ، فحذفوا الواو لسكونها حتى إنّها لو تحركت لم تحذف ، ألا ترى أنّهم لو رخّموا «كنهورا» (١) ، لقالوا : «يا كنهو» ، ولم يحذفوا الواو.
وربّما يرد على أهل الكوفة بأنّهم قد اتفقوا معنا على أنّ «مرجانة» لا يحذف منها سوى التاء فكذلك هذا ، وإنّما قال الفراء : «يا ثمو» ، و «يا سعي» و «يا زيا» ، ولم يقل : «يا هرق» ، لأنّ «زيا» موجود ما هو مثله ، نحو : «ربا» ، ومثل «سعي» : «عمي». ولا يجوز ترخيم «ثمود» على لغة من ينوي ، لأنه ليس ثم ما يشبهه ، فإنّما تقول فيه : يا ثمي خاصة. وأما «هرق» فلم يوجد مثله أصلا ، وهذا فرق غير مؤثر.
وقد تبيّن الرّدّ على الفراء بأنّ العرب لم تنته بالحذف في الاسم إلى حرفين.
__________________
(١) الكنهور : السحاب المتراكم الثخين