وحروف هذا الباب «يا» و «وا». والمختص منها «وا» لا يكون في غير الندبة. وسائر الحروف ما عدا «يا» تكون في كل منادى غير مندوب ، ولا مستغاث به ، وتكون «يا» في الجميع.
وإنّما كانت كذلك لأنّها أم الباب ، ألا ترى أنّ «أيا» هي «يا» دخلت عليها الهمزة ، و «هيا» هي «أيا» أبدلت منها الهاء ، كما قالوا : «إيّاك» و «هيّاك» ، و «إنّك» و «هنّك».
ومنهم من قال : إنّما «هيا» : هايا ، و «ها» للتنبيه حذفت ألفها لمّا ركّبت.
وأما «وا» فمختصة بالندبة. وأما الهمزة فهي للقريب. وأما «أي» فهي لم تكثر كثرة «يا» ، فلما كانت للأصل استعملت في كل موضع.
واعلم أنّك لا تندب النكرة لأنّ المقصود بالندبة ذكر المندوب بأشهر أسمائه ليكون عذرا للمتفجّع عليه (١) ، فإذا قلت : «يا أبتاه» ، و «يا أخياه» ، فقد علم أنّك تفجّعت على من هو منك مناسب بسبب ، وإذا قلت : «يا رجلاه» ، لم يعلم من المتفجّع عليه ، فصرت كمن قال : يا من لا يعنيني أمره ، وكذلك زعم سيبويه رحمهالله.
ولا يجوز أن تندب مضمرا لأنّه لا يخلو من أن يكون غائبا ، أو متكلما ، أو مخاطبا.
أما الغائب فقد عزموا على عدم ندائه لمناقضته النداء ، ألا ترى أنّ النداء خطاب.
وأما ضمير المتكلم ، فلا يتصوّر لأنّ المتكلم حيّ ، والمندوب ميت.
وأما المخاطب فهو في غير هذا الموضع عزيز النداء ، لا يجوز أن ينادى إلّا في
__________________
وندبة. رزيتيه : منادى (مندوب) مضاف منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، و «الهاء» : للسكت لا محلّ لها.
وجملة «تبكيهم» : ابتدائية لا محلّ لها ، أو لعلّها صفة أو حال لما قبلها. وجملة «وتقول» : معطوفة عليها. وجملة «يا رزيتيه» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول).
والشاهد فيه قوله : «يا رزيتيه» حيث جاء المندوب ممّا لا يموت ، ولكنه ممن يمت بصلة إلى الميت.
(١) أجاز الكوفيون ندبة النكرة ، والاسم الموصول. انظر المسألة الحادية والخمسون في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٣٦٢ ـ ٣٦٤.