ضرورة الشعر أو نادر كلام ، كقوله :
يا أقرع بن حابس يا أنتا |
|
أنت الذي طلّقت عام جعتا (١) |
فكما كان نداء المخاطب لا يجوز إلّا قليلا فكذلك هذا. فقد تبيّن ما معنى الندبة ، ومن يندب ، ومن لا يندب ، وحروف الندبة.
واعلم أنّه لا يجوز حذف حرف الندبة ، كما لا يجوز حذف حرف الجرّ من المستغاث به ، لأنّ المقصود تكثير الصوت ، لأنّ المتفجّع يصيبه طرب لشدّة جزعه ، فيكثّر الصوت لذلك ، وحذف حرف الندبة يناقض ذلك.
واعلم أنّ علامة الندبة لا تلحق إلّا آخر الاسم المندوب نحو : «يا زيداه» ، أو آخر المضاف إليه المندوب ، نحو : «يا غلام زيداه» ، أو آخر صلة الموصول نحو : «يا من حفر بئر زمزماه».
تلحق آخر الصفة على رأي يونس ، رحمهالله ، فتقول على مذهبه : «وا زيد البطلاه» ، و «يا زيد الكريماه» (٢). ومستنده في ذلك ما سمع من كلامهم : «وا جمجتيّ الشاميّتيناه» (٣).
وهذا الذي قال خطأ ، لأنّ قولهم : «يا غلام زيداه» إنّما جاز لأنّ المضاف شديد الاتصال بما أضيف إليه. ألا ترى أنّهم لا يحتملون الفصل بينهما ، وليس الصفة مع موصوفها كذلك ، ألا ترى أنّهم يفصلون بموصوف آخر ، وقد تقرّر أنّ المضاف يحكم في هذا الباب بحكم التنوين ، فيقولون : «يا غلام» ، ويحذفون المضاف إليه كما يحذفون التنوين ، ولما اشتدّ اتصاله لحق آخره ما يلحق آخر غير المضاف إليه.
وأما قولهم : «وا جمجمتيّ الشاميّتيناه» ، فهو على غير ما يزعم ، ألا ترى أنّهم يلحقون هذه الصورة ما ليس بمندوب ولا بمنادى ، ألا ترى أنّ منهم من يقول : «قام زيداه» ، يريد :
__________________
(١) تقدم بالرقم ٥٠٣.
(٢) ووافقه على ذلك الكوفيّون. انظر المسألة الثانية والخمسون في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥.
(٣) الجمجمتان هنا قدحان ضاعا لبعض العرب فندبهما.