فإن قيل : يكون حرف العطف قد ناب مناب تكريره ، فالجواب : إنّه لا ينوب حرف العطف إلّا أن يقدّم العامل ، نحو : «قام زيد وعمرو» ، وأنت لم تقدم في «قم» عاملا ، فلم يبق إلا النصب أو الرفع على المعنيين المتقدمين.
فإن كان الأمر باسم فلا يخلو من أن يكون مشتقا من فعل أو لا يكون. فإن لم يكن ، فإنّ النصب لا يتصوّر أصلا ، لأنّه ليس ثمّ ما يدل على المصدر المتوهم ، وذلك : «عليك زيدا فيحسن إليك» ، فإنّما يكون في هذا الرفع خاصة. فإن كان مشتقا فمنهم من شبّهه بهذا ومنع النصب ، لأنّه ليس فعل يدل على المصدر.
ومنهم من أجاز النصب ، وهو الصحيح ، لأنّ لفظه لفظ الفعل ، وذلك : «نزال فأكرمك» ، والجزم لا يتصور على حال.
وأما الاستفهام فلا يخلو من أن يدخل على اسم أو على فعل ، فإن دخل على فعل مثل : «أتقوم فنكرمك» ، جاز الرفع على المعنيين : الاستئناف والعطف ، والنصب على ما ثبت.
فإن دخل على اسم ، فإما أن يكون ذلك الاسم ظرفا أو مجرورا. فإن لم يكن لم يجز
__________________
وشرح شواهد المغني ١ / ٥٩٧ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٣٥ ، ٦٠ ، ٦٢ ، ٩ / ٢٤ ؛ والكتاب ٣ / ٨ ؛ واللامات ص ٩٦ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٢٤ ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٤١٨ ؛ والمقتضب ٢ / ١٣٢ ؛ والمقرب ١ / ٢٧٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥٥.
اللغة والمعنى : التبال : سوء العاقبة ، وتبله الدهر : أي رماه بمصائبه.
يخاطب الشاعر النبيّ (صلىاللهعليهوسلم) بقوله : يا محمّد إنّ كلّ النفوس مستعدّة لتفدي نفسك الغالية إذا ما خفت أمرا من الأمور.
الإعراب : محمّد : منادى مبنيّ على الضم ، في محل نصب على النداء. تفد : فعل مضارع مجزوم بلام محذوفة تقديره : «لتفد» وعلامة جزمه حذف حرف العلّة. نفسك : مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، والكاف : في محلّ جرّ بالإضافة. كلّ : فاعل مرفوع. وهو مضاف. نفس : مضاف إليه مجرور. إذا : ظرف يتضمّن معنى الشرط. ما : الزائدة. خفت : فعل ماض ، والتاء : فاعل. من شيء : جار ومجرور متعلّقان بـ «خفت». تبالا : مفعول به منصوب. وجواب «إذا» محذوف تقديره : «إذا ما خفت من أمر تبالا لتفد نفسك ...».
وجملة (محمد تفد) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية. وجملة (تفد نفسك) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافية. وجملة (خفت من شيء) الفعليّة في محلّ جرّ بالإضافة.
والشاهد فيه قوله : «تفد» يريد : لتفد ، فأضمر لام الأمر ، وهذا من أقبح الضرورات.