قال : ولم يرد إثبات الضلال لنفسه ، فأثار إشكالا على فهمه ، فكان انفصاله عن هذا بأن قال : معنى قوله (١) : (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٢). أي بأنعمي ، فقال له موسى عليهالسلام : إن كنت فعلتها كافرا بنعمتك فأنا من الضالين ، أي من الجاهلين بأنّ الوكزة تقضي على القبطي (٣).
وهذا الكلام معترض ، لأنّ فيه أنّ الكافر إذا أطلق ، فإنّما يراد به المضاد للمؤمن. فإن أردت غير ذلك قيّدت ، وكذلك الضلال إنّما هو على هذا الإطلاق.
وأمّا أن يراد به جاهل بكذا فلا.
وبتسليم هذا الإطلاق فيه عكس المعنى ، لأنّه إذا كان فاعلا تلك الفعلة كافرا ، فليس من الضالين ، إنّما يكون من المضلّين.
كلامه معترض في هذا بيّن الاعتراض ، لأنه بنى الأمر على أنّ «إذن» شرط وجواب ، وليس كذلك ، بل إنّما هي جواب ، بمعنى أنّها لا تقال مبتدأة. ولا بد أن يتقدّمها كلام ، فلا تقول أبدا : «إذن أزورك» ، ابتداء ، فهي جواب. وتكون جزاء ، ولا يلزم أن يكون ذلك فيها مجموعا ، ألا ترى أنّ سيبويه قال في «نعم» : إنّها عدة وتصديق. ولا يجتمع ذلك فيها بحال ، بل هو تصديق بالنظر إلى ما مضى ، وعدة بالنظر إلى ما يستقبل. فإذا قال : «قد فعلت كذا» ، ثم قلت : «نعم» ، فأنت قد صدّقته. وإذا قال : «سوف تفعل كذا» ، وقلت له : «نعم» ، فأنت قد وعدته. وبيان ذلك ـ قال لك : أتفعل كذا؟ فهي عدة ولا بدّ في موضع وتصديق في آخر. فكذلك تكون إذن جوابا وجزاء ، فقد يجتمع فيها هذان ، وقد ينفرد أحدهما. فإذا قلت لمن قال لك : «أنا أزورك» : «إذن أكرمك» ، فهذا جواب وجزاء. وإذا قلت له : «إذن أزرك» ، فهي جواب خاصة.
والآية على هذا لا إشكال فيها ، لأنّه يقول فيها : «إذن فعلتها وأنا جاهل» ، فيكون مجيبا له ، ويكون اعتذاره بالجهل جزاء ، فهي في هذا الموضع جواب وجزاء. فقد تبيّن معناها.
__________________
(١) أي : قول فرعون الذي جاءت الآية على لسانه.
(٢) سورة الشعراء : ١٩.
(٣) إشارة إلى قصّة النبي موسى حين وجد رجلين يقتتلان : الأول من قومه ، والثاني من أعدائه ، فضرب الثاني بجمع يده ، فقتله ، ثمّ هرب.