وأمّا «قارب» و «اخلولق» فلا يستعمل الفعل بعدهما إلّا بـ «أن» ، ولا يجوز حذفها. وجعل أبو القاسم «قارب» ، مما الأجود فيه أن يستعمل بـ «أن» ، لأنّها ليست من هذا الباب ، لأنّها ليست بداخلة على المبتدأ والخبر ، وبدلالة مجيء مفعولها اسما في صريح الكلام ، فتقول : «قارب زيد القيام» ، وكذلك «اخلولق». وإنّما دخلا في هذا الباب لما فيهما من معنى المقاربة.
وأما «طفق» ، و «أخذ» ، و «جعل» فلا يستعمل الفعل بعدها بـ «أن» ، لأنّ الفعل الذي بعدها للحال و «أن» تخلّص للاستقبال.
وهذه الأفعال كلّها متصرّفة إلّا «عسى» فإنّها غير متصرفة.
وفي «عسى» لغتان : «عسى» ، و «عسي» ، إذا كان فاعلها مضمرا. فإن كان ظاهرا فلا يجوز إلّا الفتح. وتستعمل استعمالين : تستعمل بمعنى «قارب» ، فتحتاج إلى مرفوع ومنصوب إلّا أنّهما ليسا مبتدأ وخبرا ، فتقول : «عسى زيد أن يقوم» ، وتستعمل بمعنى «قرب» فتكتفي بالمرفوع ، فتقول : «عسى أن يقوم زيد».
فإن قيل : فهلا جعلت بمعنى «قارب» وتكون على التقديم. فالجواب : إنّا قد وجدناها استعملت استعمال «قرب» بدليل قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(١). فـ «ربك» هنا فاعل «يبعثك» ، ولا يتصوّر أن يكون فاعلا بـ «عسى» ، لأنّ «مقاما» حال من «يبعثك» ، ولا يجوز أن يفصل بين العامل والمعمول بأجنبيّ.
وإذا استعملت «عسى» استعمال «قارب» ، نحو : «عسى زيد أن يقوم» ، فـ «زيد» اسم «عسى» ، و «أن يقوم» في موضع الخبر ، وعند المبرّد : «زيد» فاعل «عسى» ، و «أن يقوم» في موضع المفعول ، والدليل على ذلك أنّ «أن» وما بعدها تتقدّر بالمصدر ، والمصادر لا تكون أخبارا عن الجثث.
والصحيح أنّ الفعل الذي بعد «عسى» في موضع الخبر ، والدليل على ذلك أنّهم لما
__________________
(١) سورة الإسراء : ٧٩.