برفعها قلب في الأول والثاني ، وهذه الرواية أثبت ، وهي رواية المبرّد.
ومن مذهبه أنّ قلب الإعراب لا يجوز إلّا في الضرورة على التأويل ، فجعل «بلغت» محمولا على المعنى ، فكأنه قال : حملت ، لأنّه إذا بلغت السوءات هجر فقد حملتها هجر ، وكذلك قوله [من الطويل] :
٥٦٤ ـ غداة أحلّت لابن أصرم طعنة |
|
حصين عبيطات السدائف والخمر |
الشاهد فيه رفع «العبيطات» ونصب «الطعنة» ، وفصيح الإعراب فيه أن يرفع «الطعنة» وينصب «العبيطات» ، لأنّ «الطعنة» هي المحلّة و «العبيطات» و «الخمر» المحلّتان.
وأما قول أبي القاسم : ومنهم من يرويه برفع «الطعنة» ونصب «العبيطات» ، فليست برواية ، وإنّما هو إصلاح من الكسائيّ ، وذلك أنّ يونس بن حبيب سأل الكسائيّ عن إنشاد هذا البيت ، فأنشده برفع «الطعنة» ونصب «العبيطات» ، فقال له يونس : علام ترفع الخمر؟
__________________
٥٦٤ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ١ / ٢٥٤ ؛ وسمط اللآلي ص ٣٦٧ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٧٤ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤٥٦ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٨٧ ؛ وشرح المفصّل ١ / ٣٢ ، ٨ / ٧٠.
شرح المفردات : حصين بن أصرم : اسم رجل أقسم ألّا يأكل لحما ، وألّا يشرب خمرا حتى يقتل ابن الجون الكندي. العبيطات : ج العبيطة ، وهي الذبيحة التي تنحر من غير علّة. السدائف : ج السديفة ، وهي السمينة.
المعنى : يقول : إنّه طعنه طعنة قاتلة أحلّت له أكل اللحوم وشرب الخمر.
الإعراب : «غداة» : ظرف زمان منصوب متعلّق بفعل متقدّم. «أحلّت» : فعل ماض والتاء للتأنيث. «لابن» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أحلّت» ، وهو مضاف. «أصرم» : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. «طعنة» : فاعل «أحلّ». «حصين» : بدل من «ابن أصرم» أو عطف بيان. «عبيطات» : مفعول به لـ «أحلّ» وهو مضاف. «السدائف» : مضاف إليه مجرور. «والخمر» : الواو حرف عطف ، و «الخمر» : فاعل لفعل محذوف تقديره : حلّت له الخمر.
وجملة : «أحلت ...» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «حلت الخمر» المحذوفة معطوفة على السابقة.
ولهذا البيت روايتان : أولاهما بنصب «طعنة» ورفع «عبيطات» و «الحمر» ، وتخرّج هذه الرواية على أنّ «طعنة» مفعول به وإن كان فاعلا في المعنى ، و «عبيطات» فاعل ، و «الخمر» : معطوف عليه ، ولكن الشاعر قد أتى بالفاعل منصوبا وبالمفعول مرفوعا على طريقة من قال : «خرق الثوب المسمار». والرواية الثانية برفع «طعنة» ونصب «عبيطات» ، ورفع الخمر ، وتخريجها على أنّ «طعنة» فاعل «أحلّت» ، و «عبيطات» مفعول به ، والخمر فاعل لفعل محذوف ، أو مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف.