ولا دليل في هذا البيت له ، لأنّ ذلك محتمل أن يكون صفة لمحذوف ، فكأنّه قال : أنا ابن رجل جلا ، ومحتمل أن يكون في «جلا» ضمير ، وحكيت الجملة ، وهو الأولى ، فكأنّه قال : أنا ابن الذي يقال له جلا ، مثل تأبّط شرّا. والدليل على فساد مذهب عيسى بن عمر ما حكاه سيبويه ، رحمهالله ، من أنّ العرب تصرف الرجل يسمى «كعسبا» ، وهو في الأصل «فعلل» من «الكعسبة» ، وهي شدّة العدو مع تداني الخطى.
وأمّا التأنيث ، فلا يخلو أن يكون باقيا على مسماه المؤنث أو منقولا إلى مذكر ، فإن كان باقيا على مؤنثه ، فلا يخلو أن يكون التأنيث تأنيثا لازما أو لا يكون. فإن كان التأنيث لازما ، فيمتنع الصرف وإن كان غير لازم ، فلا يخلو أن يكون التأنيث بعلامة أو بغير علامة. فإن كان بعلامة فيمنع الصرف ، وإن كان بغير علامة ، فلا يخلو أن يكون ثلاثيا أو أزيد ، فإن كان أزيد فيمنع الصرف ، وإن كان ثلاثيا فلا يخلو أن يكون متحرك الوسط أو ساكن الوسط.
__________________
اللغة وشرح المفردات : جلا : في الأصل فعل ماض فسمّي به كما سمّي بـ «يزيد» و «يحمد» ... وابن جلا : كناية عن أنّه شجاع. طلّاع : صيغة مبالغة لـ «طالع». الثنايا : ج الثنية ، وهي الطريق في الجبل. أضع العمامة : أي عمامة الحرب. وقيل : العمامة تلبس في الحرب وتوضع في السلم.
المعنى : يصف شجاعته وإقدامه بأنّه لا يهاب أحدا ، وأنّه قادر على الاضطلاع بعظائم الأمور.
الإعراب : أنا : ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. ابن : خبر المبتدأ مرفوع بالضمّة الظاهرة.
وهو مضاف. جلا : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف للتعذّر. وطلّاع : الواو حرف عطف ، «طلاع» : معطوف على «ابن» مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وهو مضاف. الثنايا : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف للتعذّر. متى : اسم شرط مبنيّ في محل نصب مفعول فيه متعلّق بالفعل «تعرفوني». أضع : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، وحرّك بالكسر منعا من التقاء الساكنين ، وهو فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا». العمامة : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. تعرفوني : فعل مضارع مجزوم بحذف النون ، والنون الثانية للوقاية ، والواو : ضمير متّصل مبنيّ في محل رفع فاعل ، والياء : ضمير متّصل مبني في محل نصب مفعول به.
وجملة : «أنا ابن جلا ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «تعرفوني» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب لشرط جازم غير مقترن بالفاء أو بـ «إذا».
الشاهد فيه قوله : «جلا» حيث منع من الصرف ، واختلف في سبب منعه ، فقال عيسى بن عمر : إنّه ممنوع من الصرف للعلميّة ووزن الفعل ، وقال الجمهور إنه لم ينوّن للحكاية لا لمنع الصرف ، فهو منقول عن جملة ، أي عن فعل وضمير الغائب المستتر فيه ، أو هو فعل ماض باق على فعليّته ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله ، وجملة الفعل وفاعله في محل جرّ صفة لموصوف مجرور محذوف ، والتقدير : أنا ابن رجل جلا الأمور وكشفها.