وأما «حاشى» ففيها لغتان : «حاشى» و «حشى» ، والدليل على ذلك قول الشاعر [من الوافر] :
٦٣٣ ـ حشى رهط النّبيّ فإنّ منهم |
|
بحورا لا تكدّرها الدّلاء |
وما بعدها مخفوض أبدا على مذهب سيبويه ، لأنها حرف جر كما تقدم ، وأما ما حكي من قولهم : «حاشى الشيطان وأبا الإصبع» ، فإن صح فـ «حاشى» عند من يقول ذلك فعل ، ولا يتصور أن تكون حرفا بمنزلة «إلّا» ، لأنه لو كان كذلك ، لجاز فيما بعدها الرفع ، كما جاز فيما بعد «إلّا» في قولك : «ما قام القوم إلّا زيد» ، فكنت تقول : «ما قام القوم حاشى زيد» ، فذلك لا يقال ، فدلّ ذلك على أنّها عند من نصب بها فعل.
وأما عدا في قولك : «قام القوم عدا زيدا وما عدا زيدا» ، ففعل ، ولو كانت حرفا بمنزلة «إلّا» لجاز فيما بعدها الرفع أيضا كما جاز فيما بعد «إلّا» ، وأيضا فإن «ما» المصدرية قد دخلت على «عدا» وهي لا تدخل إلّا على فعل.
وأما «خلا» فتستعمل فعلا وحرفا ، فمن جرّ بها فهي عنده حرف ، ولا يجوز أن تكون عنده اسما بمنزلة «غير» ، لأنّه لم يوجد فيها من أحكام الأسماء شيء وكذلك «حاشى» ، فمن
__________________
٦٣٣ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٦٧ ؛ ورصف المباني ص ١٧٩ ؛ ولسان العرب ١٢ / ١٧٠ (خرم) ، ١٤ / ١٨٢ (حشا).
اللغة : حشى وحاشى : حرف استثناء وجرّ بمعنى استثنيت وبرّأت. رهط النبي : قومه وقبيلته.
المعنى : استثني قوم النبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، فمنهم السادة الكرماء كالبحور التي لا تتعكّر ، أو يتغير صفاؤها من دلو سوء يرمى فيها أو أكثر.
الإعراب : حشى : حرف جرّ شبيه بالزائد. رهط : اسم مجرور بالكسرة لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به ، والجار والمجرور متعلقان بالبيت السابق. النبي : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فإن : «الفاء» : حرف استئناف ، «إن» : حرف مشبّه بالفعل. منهم : جار ومجرور متعلقان بخبر (إنّ) المحذوف. بحورا : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة. لا : حرف نفي. تكدّرها : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. الدلاء : فاعل مرفوع بالضمّة.
وجملة «إن منهم بحورا» : استئنافية لا محل لها. وجملة «لا تكدّرها» : في محلّ نصب صفة لـ (بحورا).
والشاهد فيه قوله : «حشى رهط النبي» حيث استخدم (حشى) حرف جرّ.