وأصله أنّ رجلا انتسب مرة لتميم ومرة لقيس ، فقيل له : أتميميّا مرة وقيسيّا أخرى ، ثم استعمل لكل من لم يستقر على حالة.
ولم يظهر الفعل لأنّه كالمثل ، ولوقوع الاسم موقعه.
وأمّا «أعور وذا ناب» ، فمنصوب بإضمار فعل لا يجوز إظهاره تقديره : أتستقبلون أعور وذا ناب؟ وذلك أنّ الأعور تتطيّر العرب به ، وكذلك ذو الناب ، وهو الكلب. فإذن أنكر الجمع بين شيئين مجيء أعور وذا ناب. ولم يظهر الفعل لأنّه كالمثل.
وأما كل اسم ينتصب بفعل مضمر على معنى الأمر فقد تقدّم ، وهي : «انته أمرا قاصدا» ، و «وراءك أوسع لك» ، و «انتهوا خيرا لكم» ، فمنصوب بإضمار فعل لا يجوز إظهاره لدلالة ما قبله عليه ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «انتهوا عن كذا» ، علم أنّك تأمر بما هو ضدّ لما نهيت عنه. فإذا قلت : «انته أمرا قاصدا» ، فكأنّك قلت : «وائت أمرا قاصدا». وكذلك «وراءك أوسع لك» ، وكأنك قلت : ائت أوسع لك من ورائك.
وكذلك قوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ)(١). معناه : وائتوا خيرا لكم. وأجاز الفراء في قوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ،) أن يكون «خيرا» صفة لمصدر محذوف تقديره : انتهاء خيرا لكم.
وهذا وجه ضعيف ، وذلك أنّ «خيرا» هذا لا يخلو أن تريد به الصفة التي تصف بها ، أو الخير الذي هو ضد الشر. فإذا أردت الصفة ، ضعف لفظا ومعنى.
أما اللفظ فإنّه لا يجيء ذلك إلّا بحذف «من» ، وحذفها قليل ، نحو ما جاء من قولهم : «الله أكبر».
وأما من طريق المعنى فلأنّه لا يلزم التقدير : انتهاء خيرا لكم من تركه ، أي : يكون في أن تركوا الانتهاء خير ، لأنّ «أفعل» يقتضي التشريك وليس كذلك ، ألا ترى أنّ النهي هنا إنّما هو عن الكفر ، لأنّه ما تقدم من قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ)(٢). فالكفر لا خير فيه.
وإن كان أراد بالخير ضدّ الشر ، كان اسما من الأسماء ، فيقبح الوصف به ، بل لا
__________________
(١) سورة النساء : ١٧١.
(٢) سورة النساء : ١٧١.