كان فيه من وصف الديار على هذا الفعل المضمر.
وأما «أقائما وقد قعد الناس»؟ و «أقاعدا وقد سار الركب»؟ ، و «عائذا بالله» ، وبابه من الأسماء الموضوعة موضع الفعل في الخبر فذلك العامل فيها تقديره : أتقوم قائما وقد قعد الناس؟ وأتقعد قاعدا وقد سار الركب؟ وأعوذ عائذا بالله.
ونظير ذلك من الحال المؤكدة قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)(١).
فإن قلت : فهلّا كان الفعل المضمر «أتكون» أو غيره ، مما ليس من لفظ الاسم حتى تجيء الحال مبيّنة؟
فالجواب : إنّه ليس في الكلام ما يدل على المضمر إلّا لفظ الاسم ، فقدّر الفعل المضمر لذلك من لفظه.
والوجه الآخر أن تكون هذه الأسماء مصادر على وزن «فاعل» كالعافية والعاقبة. فـ «أقائما» ، و «أقاعدا» ، و «عائذا» بمنزلة : أقياما ، وأقعودا ، وعياذا بالله ، ونابت مناب أفعالها التي من لفظها ، ولم يجز إظهار الفعل الناصب لها ، لأنّها لما وضعت موضع الفعل ، وتحملت الضمير ، جرت فلم يدخل عليها الفعل كما لا يدخل على الفعل نفسه.
وأدخل أبو القاسم في هذا الباب ما ليس منه. فمن ذلك «حمدا وشكرا» ، و «غفرانك» ، و «سعة ورحبا» ، وذلك من قبيل الأسماء المنتصبة بإضمار فعل ويجوز إظهاره.
من ذلك «كلّمته مشافهة» ، و «لقيته فجأة وكفاحا» ، و «قتلته صبرا» ، و «لقيته عيانا» ، و «أتيته ركضا وعدوا ومشيا». وجميع ذلك ليس من هذا الباب ، بل هي منتصبة بهذه الأفعال الظاهرة على الحال. وذلك أنّ «ركضا» في الأصل منتصب بفعل مضمر هو في موضع الحال تقديره : أتيته أركض ركضا ، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ، فصارت منتصبة بـ «أتيت» على أنه حال لقيامه مقامه ، فأعرب بإعرابه. فمن راعى أنّ هذه المصادر منتصبة في الأصل بأفعال مضمرة جعلها من هذا الباب ، ومن راعى أن العامل في اللفظ إنّما هو الفعل لقيامه مقام الحال لم يجعله من هذا الباب.
__________________
(١) سورة النساء : ٧٩.