وفي هذا الضرب من المصادر القائمة مقام الحال خلاف بين سيبويه وأبي العباس. فمذهب سيبويه أنّ ذلك موقف على السماع ، ومذهب أبي العباس أنّ ذلك مقيس ، إذ كان الفعل دالّا على المصدر ، نحو : «أتيته ركضا وعدوا ومشيا» ، ألا ترى أن الركض والعدو من جنس الإتيان ، ولا يجوز : «جاء زيد ضحكا» ، لأنّ الضحك ليس من قبيل المجيء.
والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، وذلك أنّ المصادر المنتصبة بإضمار لا بد لها من تقدم ما يدل على الفعل المضمر ، إلّا أن تكون المصادر موضوعة موضع فعل الأمر ، فلا تحتاج إلى شيء من ذلك ، لأنّ الحال يبيّن إذ ذاك الفعل المضمر ، نحو قوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ)(١) ، وأنت إذا قلت : «جاء زيد ركضا» ، فـ «ركضا» ليس في موضع فعل الأمر ، ولا تقدم ما يدل على فعل الأمر ، ولا تقدم ما يدل على الفعل المضمر ، لأن المجيء قد يكون ركضا وغير ركض ، فإذا قلت : «ركضا» ، لم يكن فيما تقدم ما يدل على الفعل المضمر ، ولا يلزم من حيث كان الركض من قبيل الإتيان أن يكون في ذكر الإتيان دلالة عليه ، فلذلك كان مذهبه فاسدا ، بل ينبغي أن يكون هذا موقوفا على السماع لخروجه عن القياس فيما ينتصب بفعل مضمر.
ويجوز أيضا في هذه المصادر التي تقدمها فعل من جنسها أن تكون منتصبة على المصدر للأفعال المتقدمة على المعنى. فقولك : «أتيته ركضا» بمنزلة قولك : «ركضت ركضا». وفي ذلك خلاف بين النحويين.
منهم من زعم أنّه منصوب بفعل من لفظه يدل عليه الفعل المتقدم. ومنهم من زعم أنه منصوب بالفعل المتقدم. وهو الصحيح ، لأنّه طالب له من جهة المعنى ، فلا فائدة في تكلف الإضمار.
قوله : «ومنها ما جاء منصوبا توكيدا ، وهو قولهم : له عليّ ألف درهم اعترافا ، هو نفس الاعتراف» فقوله بعد ذلك : «اعترافا» توكيد ، فهو إذن من المصادر الموضوعة موضع الفعل لقيامه مقام «اعترف» ، الذي هو في موضع الحال. والعامل فيه ما في «له» من معنى الفعل.
فليس من هذا الباب إلّا على ما تقدم من لحظ الأصل ، وذلك فاسد لأنّ الأصل قد رفض.
__________________
(١) سورة محمد : ٤.