الباقون غادون على حالهم إلى أن نزل صاحب حصن النعكر مع جمع من الخلائق ، فركبوا السيف على الجاشو فلم يسلم منهم إلا كل طويل العمر ، فكانت جماجم رءوسهم ملء تلك الأرض ، فكان إذا أشكل على رجل من أهل عدن موضعا قال : أين من الجماجم؟ فعرف الموضع بالجماجم ، والمعنى بالجماجم رءوس الجاشو.
فلما انتصرت بنو زريع هذا النصر نزلوا من الحصون وسكنوا الوادى وبنوا الدور الملاح ، وهم أول من بنى الدور الحجر والجص بعدن ، وكان يجلب الحجر إلى عدن من أعمال أبين لأجل العمارة ، ولم يظهر لأهل عدن المقلع إلا أبو الحسن على بن الضحاك الكوفى ، فلما أن سكن عدن اشترى عبيدا زنوجا يقطعون الحجر من جبال عدن ، وكانت الجوارى تنقله على أعناقها ، فمن حينئذ قطعوا الحجر بها وصارت مقالع يعرف كل مقلع بصاحبه : مقلع على الأنكى ، ويوسف الأردبيلى ، ومقلع ريتيه النحار ، ومقلع إسماعيل السلامى ، ومقلع حميد بن حماسة ، ومقلع عبد الواحد بن ميمون ، ومقلع أبى الحسن بن الدورى ، وتملكوها إلى أن صارت لهم ملكا ومستغلات.
فصل : ولما قبض شمس الدولة توران شاه بن أيوب بن شاذى على عبد النبى ابن على بن مهدى ، وهو آخر من تولى من العرب أرض الحصيب ، وجاء به مسلسلا إلى عدن ، وقبض على ياسر بن بلال بن جرير المحمدى ، مولى الداعى محمد بن أبى السعود بن زريع ، وهو آخر من تولى من الدعاة ، أقعد كل واحد منهم فى خيمة وحده ، فالتفت عبد النبى فوجد ياسر بن بلال يسارقه بالنظر فقال : يا عبد السوء ما تنظر إلا إلى أسد مقيد بقيد من حديد ومسلسل بسلاسل حديد.