فصل : تولى أعمال الكدراء القائد بلال فى دولة الأمير فاتك بن محمد ونشأ فى عهده القائد فرج بن إسحاق فكان يأكل ويشرب إلى أن عبر أكله الحد فضجر منه خاله بلال ، فلما رأى ذلك خرج فرج بن إسحاق ومعه عبد أسود وكانوا يقطعون الطرق ما بين حرض والمحالب مدة عامين ونصف ، بينا هم فى حالهم عاملون إذ قال العبد الأسود لفرج : يا مولاى ، أخاف إذا وصلت مع بلال تنسانى ، فأنشد فرج قول الشاعر :
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا |
|
من كان يألفهم فى المنزل الخشن |
فما زال (١) العبد يردد البيت إلى أن حفظه ، فمات القائد بلال وطلب فرج بن إسحاق ، فلما حضر ولوه أعمال الكدراء فرجع فى الأمر والنهى والأخذ والعطا ، فلما طال البعد على العبد طلب سيده ودخل الكدراء فكتب البيت المقدم ذكره فى رقعة وعرضها على فرج بن إسحاق ، فلما وقف على الرقعة طلب العبد وأدخله وأحسن إليه غاية الإحسان وولاه موضعا يعيش فيه باقى عمره ، وفيه يقول :
ظباء فى الفلا سنحوا |
|
هم منحوا وما منحوا |
وصادوا ثم ما صيدوا |
|
هم أخذوا وما صفحوا |
هم قتلوا فتّى وجدا |
|
وقالوا : إنهم مزحوا |
__________________
(١) فى الأصل : «فلا زال» والصواب هو المثبت ، لأن الفعل «زال» إذا نفى ب «ما» أفاد الاستمرار ، كما هو هنا ، وإذا نفى ب «لا» أفاد الدعاء ، تقول : لا زلت بخير ، أى : أرجو أن تكون بخير ، وقد قال ذو الرمة :
ألا يا اسلمى يا دارمى على البلا |
|
ولا زال منهلا بجرعانك القطر |