ويكون عيش القوم طول الدهر منه ، ولم يملّ أحد من أكله مع مداومته لأنه لحم خفيف طيب مرىء ، قلت : وما يسمى؟ قال : السلوى ، وهو الذى قال الله عزوجل : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى)(١) فقلت للراوى : كم يكون دور الجزيرة؟ قال : مسيرة يوم كامل لرجل طرّاد ، حدثنى بدر مولى بشر الصوفى بذلك.
ذكر جزيرة الغنم
وذلك فى بر السودان ، ما بين عيذاب إلى بحره جزيرة تسمى جزيرة الغنم ، مائة الف رأس غنم بها وأكثر من ذلك وجميعها وحشية ، وكان الموجب لذلك ما ذكره ريحان مولى على بن مسعود بن على المجاور قال : إنه قدم مركب من بعض مدن الودان شحنته غنم وكباش أرسوا بهذه الجزيرة فزخر الريح عليهم ، فلما طال الشوط فى المقام عليهم أخرجوا الغنم فى الجزيرة لترعى ، مع طول المقام فطاب للقوم الريح على غفلة فركبوا الكباش المراكب ، ونسوا تسع ثمان رءوس منها فى الجزيرة فلم يمكن القوم أن يدوروا عليهم لضيق أخلاق الربان ، فشال القوم شراعهم وساروا بالسلامة ، وبقيت الغنيمات فى الجزيرة فتناكحوا وتناسلوا مع طول الأيام فكثروا واستقطعوا الجزيرة فعرفت الجزيرة بهم وصاروا الآن إذا أرسى بهم مركب لم يقدروا أن يصطادوا من تلك الأغنام شىء إلا بعد جهد عظيم مع القوس والنشاب ، وقد لا يحصل لهم شىء لأنهم قد صاروا وحشيين يسقون الغزال وهم ملء تلك الجزيرة إلى الآن ، والله أعلم بالصواب.
__________________
(١) الآية : ١٦٠ من سورة الأعراف.