ولم يظهر بمكة كلب بالنهار بل يأوون فى الجبال ، وتأوى الكلاب فى الكوفة بالنخيل ، وفى مقدشوه بالمقابر ، وأما كلاب عدن فنعوذ بالله من عضهم ، لأنهم رجعوا سما ناقعا لقلة شربهم الماء ، وإذا حصل لهم ماء يكون مالحا ، وهو أشد من كل شديد.
ذكر وصول المراكب إلى عدن
إذا وصل مركب إلى عدن وأبصره الناظرون والناطور على جبل نادى بأعلى صوته : هيريا! وهو آخر جبل الأخضر الذى بنى عليه الحصن الأخضر ، ويسمى فى الأصل سيرسيه ، وما يقدر الناطور ينظر إلا عند طلوع الشمس وغروبها لأن فى ذلك الوقت يقع شعاع الشمس على وجه البحر فيبان عن بعد مسافة ما كان ، ويكون الناطور قد عرض عودا قدامه ، فإذا تخايل له شىء فى البحر قاس ذلك الشىء على العود ، فإن كان طيرا أو غيره زال يمينا أو شمالا أو يرتفع أو يهبط فيعلم أنه لا شىء ، وإن كان الخيال مستقيما على فىء العود ثبت عنده أنه مركب أشار إلى صاحبه وهو ينادى : يا هيريا! وأشار صاحبه إلى رفيقه وأشار الرفيق إلى جراب بإعلام المركب ، فحينئذ يوصل الجراب خبر المراكب إلى والى البلد ، فإذا خرج من عند الوالى أعلم المشائخ بالفرضة ، وبعدهم ينادى بأعلى صوته من على ذروة الجبل : هيريا هيريا هيريا! فإذا سمع عوام الخلق الصوت ركب كلّ جبلا وصعد سطحا يشرف يمينا وشمالا ، فإن كان ما ذكره صحيحا يعطى له من كل مركب دينار ملكى ، وذلك من الفرضة ، وإن كان كاذبا يضرب عشرة عصى.