والشاهد في هذه القصة دلالتها الحسية على ما أشار اليه سبحانه بقوله : (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) وان الإنسان خالد بخلود خالقه ، وانما ينتقل من دار الى دار ، والويل كل الويل لمن ترك دار الباقية الى دار الفانية ، وهو يجحد الآخرة ، أو وهو لم يعد العدة لها.
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ). اختلف الناس في مكان الكهف : أين كان؟ فقيل : كان في فلسطين بالقرب من بيت المقدس. وقيل : في الموصل. وقيل : في الأندلس من جهة غرناطة ، الى غير ذلك من الأقوال. وأيضا اختلفوا في زمانهم : هل كان قبل السيد المسيح أو بعده؟. بل وفي الطعام الذي أوصى أهل الكهف أحدهم أن يشتريه لهم ، هل هو التمر أو الزبيب أو اللحم. بل وفي لون الكلب : هل كان أسمر أو أنمر أي فيه بقع سوداء وأخرى بيضاء ، الى كثير من هذه الخلافات .. اذن ، فلا غرابة إذا وقع النزاع والاختلاف في عدد أهل الكهف.
وفي تفسير الرازي والطبرسي انه لما وفد نصارى نجران الى النبي (ص) جرى ذكر أهل الكهف ، فقال اليعقوبية منهم : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وقال النسطورية : كانوا خمسة سادسهم كلبهم. فقال المسلمون : بل سبعة وثامنهم كلبهم .. ثم قال الرازي : وأكثر المفسرين على انهم سبعة وثامنهم كلبهم ، وذكر أربعة أوجه لصحة هذا القول ، ثلاثة منها فيها نظر ، والرابع له وجه ، ويتلخص بأن الله سبحانه وصف كلا من القول بالثلاثة والقول بالخمسة بأنه رجم بالغيب ، دون القول بالسبعة ، فوجب أن يكون هو الحق.
(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ). بعد أن أشار سبحانه الى اختلاف الناس في عدد أصحاب الكهف ، وان أقوالهم كلها أو بعضها رجم بالغيب ـ قال لنبيه الكريم : ان هذا الاختلاف لم يقع في شيء هام ، وان على الإنسان أن يوكل علمه الى الله تعالى ، وأن يعتبر بما جرى لأصحاب الكهف ، ويتخذ منه دليلا على البعث ، لا أن يجادل في عددهم أو مكانهم أو زمانهم .. فإن الغرض من هذه القصة هو الاعتبار والاتعاظ ، بل ان جميع قصص القرآن