منه تعالى أن يمد رسوله بالنصر على أعدائه ، كما أمده بالهداية الى الحق ، وان يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً). نزل القرآن على مكث وفقا لحاجات الناس ، وكان مبدأ نزوله والرسول الأعظم (ص) في الأربعين من عمره الشريف ، واستمر الوحي آنا فآنا الى ان انتقل الرسول الى الرفيق الأعلى ، وهو في سن ال ٦٣ ، وحاول المشركون أن يصرفوا الناس عن القرآن بكل سبيل فقالوا : هو أساطير الأولين .. ولكنهم لم يتمسكوا بهذه الفرية ، ويصروا عليها ، لأنها تكذّب نفسها بنفسها ، فابتدعوا دعاية أخرى وقالوا : لو كان القرآن من عند الله لأنزله دفعة واحدة لأن الله لا يحتاج الى تأمل وتفكير كالمؤلفين .. وما من شك لو نزل القرآن دفعة واحدة لقالوا ـ كما هو شأن المعاندين ـ لو لا نزل على مكث لنتفهمه ونتأثر به ونعتاد عليه .. ولكن الحقائق تفرض نفسها على رغم المعاندين والمعارضين (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي نزلنا القرآن على التوالي ليقوى قلبك يا محمد على حفظه ، وفهم معناه ، وضبط أحكامه.
(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً). الخطاب لرسول الله (ص) ، والواو في يأتونك ويحشرون لأعدائه المشركين ، والمراد بالمثل كل ما يعترضون به على الرسول الكريم .. في الآية ٥ من هذه السورة حكى سبحانه اعتراضهم على القرآن بأنه أساطير الأولين ، وفي الآية ٧ حكى قولهم عن الرسول انه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، وفي الآية ٨ قالوا : هو رجل مسحور ، وفي الآية ٢١ قالوا : لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ، وفي الآية ٣٢ قالوا : لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة.
وبعد ان أبطل سبحانه كل ما قالوه خاطب نبيه الكريم : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) أي ان المشركين يخاصمونك ويجادلونك يا محمد بالباطل ، ونحن نمدك بالحق الواضح ، والحجة التي تدحض أقوالهم ، وتفضحهم. في أباطيلهم .. هذا في الدنيا ، أما جزاؤهم في الآخرة فان الزبانية تسحبهم على وجوههم ، ومن كانت هذه حاله فهو شر خلق الله وأشقاهم في مقره ومكانته ، وعمله وسيرته.