يصغي الى الشعر ، ويتذوقه ، ويقبل عليه بكله .. وهكذا كل صاحب مهنة إذا حدثته بمهنته واختصاصه ، فإنه يقبل عليك بقلبه وسمعه وبصره .. وإذا حدثت إنسانا بما هو بعيد عنه ، ولا يمت الى مهنته بصلة تحول عنك وعن حديثك ، وان كان هدى ونورا .. وبهذا يتبين لك السر في اقبال المؤمن على القرآن ، وادبار الكافر عنه ، يقبل المؤمن على كتاب الله لأنه يؤمن به ، ويدرك معناه ومرماه ، ويجد فيه نفسه وعقيدته وصالح أعماله ، وما أعده الله له من الأجر والثواب ، ويدبر الكافر عن كتاب الله لأنه يجحده ، ويجهل أهدافه وأسراره ، ولا يجد فيه إلا الذم والتنديد به وبعقيدته وصفاته ، والا التهديد على كفره وفساده.
٩ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً). يتمنى الشقي الفاجر أن يقتدي به الناس لا اقتناعا منه بأنه على هدى من ربه .. كلا ، بل لتخف عنه المذمة والملامة ، ويبرر خطيئته بكثرة المخطئين ، ولذا لا يحب ان يكون أولاده وزوجته على شاكلته ، تماما كما لا يحب المريض أن يصاب أهله بدائه .. أما البر التقي فهو على يقين من دينه وبصيرة من أمره ، ولذا يتمنى من أعماق قلبه مبدأ وعقيدة أن يسير جميع الناس على نهجه ، وان يكون أولاده على شاكلته يفرح بدينهم وسلوكهم ، ويتضاعف بهم عدد المتقين والمطيعين .. فالمخلصون يسألون خالقهم أن يجعلهم قدوة لمن رغب في تقوى الله لا ليبرروا أعمالهم عند الناس ، ولا طلبا للجاه في الدنيا وقبض الأموال باسم حقوق الله ، بل رغبة في عظيم المنزلة عند الله وحده.
(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً). بعد أن بيّن سبحانه أوصاف المتقين ذكر ان جزاءهم عنده الخلود في الهناء والنعيم ، والأمن والأمان مع التوقير والاحترام .. وخص الصبر بالذكر للاشارة الى ان كل محق لا بد أن يلاقي الأذى والعناء من المبطلين ، وان ثواب الله لا يظفر به إلا من صمد وصبر واستمر على مبدئه وعقيدته مهما كان الثمن ويكون.
(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً). المراد بالدعاء هنا ان الله سبحانه دعا المشركين بلسان نبيه الى الايمان والطاعة ، والدليل