وأيضا من آثار عظمته تعالى انه (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) وذكر السموات السبع لا يفيد الحصر. انظر آخر سورة الطلاق فقرة «سبع سماوات ومن الأرض مثلهن». وطباقا أي يطابق بعضها بعضا في دقة الصنع ، والمعنى حقّق وتفحص وتأمل جيدا ، وعاود النظر مرات ومرات في خلق الكائنات فإنك لا ترى ولن ترى إلا الحكمة والدقة والا النظام والانسجام والتناسب والتناسق في كل شيء .. أبدا لا تفاوت في إتقان الصنع ، ولا خلل ولا نقص في شيء من أصغر صغير الى أكبر كبير .. سل العقول مجتمعة : من الذي أعطى كل شيء خلقه فقدره تقديرا؟. هل الصدفة أتت بكل هذه الأسرار والعجائب؟ وهل هي قاعدة تطرد في كل شيء ومبدأ لا ينقضه شيء؟ ومتى بهرت الصدفة الألباب وحيرت؟ ولا جواب عند العقول العليمة السليمة إلا بالرجوع الى قوة تكمن وراء الطبيعة والاعتراف بالعجز عن ادراك حقيقتها وكنه عظمتها.
وهنا يكمن السر لتاريخ الايمان بالله الذي وجد بوجود الإنسان بل بوجود كل كائن يحس ويشعر ، ونحن على علم اليقين بأن الجاحد لو فكر وتدبر خلق السموات والأرض لآمن بالله من حيث يريد أو لا يريد. قال «لورد كيلفن» أحد علماء الطبيعة البارزين : «إذا فكرت تفكيرا عميقا فإن العلوم سوف تضطرك الى الاعتقاد بوجود الله. وهذا ما أعلنه القرآن بقوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ٢٨ فاطر.
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ). الدنيا هنا تأنيث الأدنى ، وهي صفة للسماء أي انه تعالى زيّن بالمصابيح السماء التي هي أقرب إلينا من سائر السموات ، والمراد بالمصابيح النجوم ، أما الرجم فقد يكون بالشهب التي تحترق ـ غالبا ـ في الفضاء قبل أن تصل الى الأرض ، وقد يكون بالحجارة المتساقطة من النجوم ـ النيازك ـ وكل عات متمرد فهو شيطان قال تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) ـ ١٤ البقرة واعتدنا أي أعددنا. وتقدم مثله مع التفسير في الآية ٦ من سورة الصافات ج ٦ ص ٣٣٠ والآية ١٢ من سورة فصلت ص ٤٨٠ من المجلد المذكور.