أما الاستفهام عنها مع تكرار اللفظ فالقصد منه التخويف من شدائدها وأهوالها ، وانها فوق ما تسمعه الآذان ، وتراه العيون ، وتتصوره العقول .. ومن أجل هذا أعاد سبحانه الاستفهام فقال : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ). أي شيء أعلمك بها أيها الإنسان؟. وهل من أحد يحيط علما بكنهها حتى يخبرك عنه؟ .. وكل ما نعرفه من أحوال القيامة ان للمتقين جنة فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، وللمجرمين (نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) ٣٦ فاطر.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ). ثمود قوم صالح وعاد قوم هود ، والقارعة من أسماء القيامة مثل الحاقة (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) وهي صيحة العذاب ، وطغيانها كناية عن شاتها مثل طغى الماء وهاج البحر (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ). باردة مهلكة بالغة العنف (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً). دامت هذه المدة دون انقطاع ولا فتور (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) مطروحين على الأرض (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ). وكل ميت هو جماد خاو مفزع ولو كان على ورد وحرير (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) كلا ، ولا ناعية. وتقدم الكلام عن عاد وثمود مفصلا انظر تفسير الآية ٥ ـ ٧٩ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٤٦ وما بعدها والآية ٠ ـ ٦٨ من سورة هود ج ٤ ص ٢٣٧ والآية ٢٣ ـ ١٥٩ ج ٥ ص ٥٠٧.
(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً). المراد بالمؤتفكات المنقلبات ، وهي قرى قوم لوط ، ويتلخص المعنى بأن فرعون وقومه وأمثالهم من الأولين ، ومنهم قوم لوط ـ كذبوا أنبياء الله ورسله ، وفعلوا أفعالا خاطئة ، فأخذهم الله لذنوبهم بعقوبة تجاوزت في هولها وشدتها حد التصور. وما أكثر السور والآيات التي تحدثت عن فرعون وقومه ، منها الآية ٠٣ ـ ١٣٧ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٧٠. وأيضا سبق الكلام عن لوط وقومه أكثر من مرة ، من ذلك الآية ٠ ـ ٨٤ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٥٢.
(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ). حملناكم على حذف مضاف أي حملنا