الى مجلسك جماعات جماعات ، ويأخذون عندك أماكنهم يمينا وشمالا ، يسمعون ما تتلوه من آيات الله ، ثم يرددونه فيما بينهم ساخرين من البعث والحساب ، ويقول بعضهم لبعض : ان صح هذا فنحن أولى الناس بالله وجنته ، لأنّا أكثر أموالا وأعز نفرا من محمد وصحابته .. فأجابهم سبحانه بقوله عز من قائل : (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ)؟ لا نصيب لكم ايها المكذبون من جنة الله وثوابه ، ولا شيء لكم عنده إلا سوء المصير .. وكيف تطمعون في الجنة وأنتم تكفرون بها ، وتسخرون من الرسول الذي دعاكم الى العمل لها؟. أتحسبون ان الأموال والأوثان تقربكم من الله زلفى؟.
(كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ). وهم يعلمون علم اليقين ان الله خلقهم من ماء مهين : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) ـ ٦ الطارق وإذا كان أصل الإنسان ، كل انسان ، واحدا فكيف يكون بعضهم أعظم من بعض عند الله ، وأولى به من غيره؟. كلا ، لا فضل لأبيض على اسود ، ولا لغني على فقير إلا بالتقوى والعمل الصالح .. وقوله تعالى : (مِمَّا يَعْلَمُونَ) يتضمن التعريض بالمكذبين بالبعث والرد على قولهم بأن من يصير عظاما وترابا لا تعيده أية قوة الى الحياة ، ووجه الرد ان الذي خلق الإنسان من ماء مهين قادر على ان يحيي العظام وهي رميم.
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ). المراد بالمشارق والمغارب مشارق الكواكب ومغاربها ، أو مشارق الشمس ومغاربها ، وهي تظهر للأعين وتختفي عنها بسبب دوران الأرض أمامها ، وضمير منهم يعود الى الذين كفروا ، والمعنى ان الله سبحانه يقسم ـ على القول ان «لا» زائدة ـ يقسم ، جلت عظمته ، انه قادر على ان يهلك المكذبين ، ويستخلف مكانهم قوما آخرين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وإذا أراد ذلك فلا راد لمشيئته. وتقدم مثله في الآية ٣٨ من سورة محمد.
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ). هذا تهديد ووعيد ، ومعناه دعهم يا محمد وشأنهم .. فليسخروا ويهزءوا ما شاء لهم العبث والباطل فإن نهايتهم الى النار وبئس القرار. وتقدم مثله بالحرف في الآية ٨٣