وشريعته عقيدة وقولا وعملا ، وهذا هو المراد من الاستقامة. وذكرت هذه الجملة بالحرف في الآية ٣٠ من سورة فصلت ، وتكلمنا حولها مفصلا.
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). أولئك إشارة الى الذين آمنوا واستقاموا ، وقوله تعالى بما كانوا يعملون توضيح وتأكيد بأنه لا إيمان ولا استقامة بلا عمل.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً). أي انها قاست الكثير في حمله ووضعه وحضانته أيضا. وفي بعض الروايات ان حق الأم أحق وأوجب من حق الأب لأنها حملت ولدها حيث لا يحمله أحد ، ووقته بالسمع والبصر وجميع الجوارح مسرورة مستبشرة ، ورضيت بأن تجوع ويشبع ، وتظمأ ويروى ، وتعرى ويكتسي. فليكن الشكر لها والبر بها على قدر ذلك .. وكان الولد من قبل يرى ان من واجبه السمع والطاعة لوالديه ، أما الآن فيعتقد ان عليهما الخضوع لأمره دون قيد أو شرط. وتقدم الأمر بالبر بالوالدين في الآية ٨٣ من سورة البقرة والآية ٣٥ من سورة النساء والآية ١٥١ من سورة الانعام والآية ٢٣ من سورة الإسراء.
(وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً). وإذا عطفنا على هذه الآية قوله تعالى : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) ـ ١٤ لقمان إذا فعلنا ذلك تبين معنا ان أقل الحمل ستة أشهر ، لأنه إذا أسقطنا عامي الرضاع من الثلاثين شهرا تبقى ستة أشهر لمدة أقل الحمل ، ولقد أقر الطب الحديث هذه النظرية. وقال الشيخ المراغي المصري في تفسيره : «أول من استنبط هذا الحكم علي كرم الله وجهه .. وروى محمد بن إسحاق صاحب السيرة ان رجلا تزوج من امرأة ، فولدت له لتمام ستة أشهر ، فشكا ذلك الى عثمان ، فبعث اليها ، ولما جاءت أمر برجمها ، فبلغ ذلك عليا فأتاه وقال له : أما تقرأ القرآن؟ قال عثمان : بلى. قال علي : أما سمعت قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقوله (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ). فلم يبق بعد الحولين إلا ستة أشهر ، قال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، عليّ بالمرأة. فوجدوها قد فرغ منها. قال معمر بن عبد الله : فو الله ما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة أشبه من هذا الحمل بأبيه ، ولما رآه أبوه قال : ابني والله لا أشك فيه».