وعن المجرمين بأصحاب الشمال والمشأمة. أنظر الآية ٩ و ٣٨ و ٤١ من سورة الواقعة. والمعنى ما من انسان إلا ونفسه أسيرة عمله إلا أهل التقوى والصلاح ، فإنهم قد وفوا ديونهم وفكّوا نفوسهم من الأسر بصالح الأعمال ، فجزاهم ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.
(فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ). بعد أن تطمئن الدار بأهل الجنة يسأل بعضهم بعضا : أين المجرمون الذين كنا نلاقي منهم الأمرّين؟. فيطلعهم سبحانه على مكانهم في جهنم ليزدادوا سرورا كما في بعض الروايات ، فيسألونهم توبيخا وتقريعا : ما الذي أدى بكم الى هذا المثوى (قالوا) بلسان المقال أو الحال : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) أي لم ننته في الدنيا عن الفحشاء والمنكر ، وقد أخذنا هذا التفسير من الآية ٤٥ من سورة العنكبوت : ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ). كانوا يكنزون المال ولا ينفقونه في سبيل الله (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ). نستهين بكل شيء إلا باللهو واللعب ، وندخل كل مدخل إلا مداخل الحق والخير (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) أي الموت.
قال الشيخ عبد القادر المغربي : «سمي يوم القيامة يوم الدين لأن فيه يقع الجزاء والحساب والقضاء والقهر ، كل هذا من معاني كلمة الدين ، ويسمى أيضا يوم الدينونة أي الحشر والقضاء بين الناس ، والديّان القهّار والمجازي والقاضي ، قالوا : «كان على بن أبي طالب ديان هذه الأمة بعد نبيها أي تفرد بمزية القضاء والحذق في فصل الخصومات بعد النبي (ص)».
(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ). لا شفيع يشفع ، ولا معذرة تنفع ، لا شيء إلا التوبة وصالح الأعمال (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ). ضمير لهم يعود الى المشركين ، والتذكرة القرآن ، والحمر هنا الحمر الوحشية ، والقسورة الأسد أو الرماة ، والمعنى ما شأن هؤلاء العتاة يفرون من الهدى والحق فرارهم من الموت؟.
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً). أي منشورة غير مطوية ، وجاء في بعض الروايات ان المشركين قالوا لرسول الله : «لن نؤمن لك حتى