ينزل على كل واحد منا كتاب يقول : الى فلان بن فلان : اتبع محمدا». وسواء أصحت هذه الرواية أم لم تصح فإنها تفسر الآية بما دل عليه ظاهرها ، ويؤيد ذلك الآية ٩٣ من سورة الإسراء : (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) مع العلم بأنهم لا يؤمنون ولو استجاب الله الى طلبهم كما صرحت الآية ٧ من سورة الانعام : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). والسر هو حرصهم على مصالحهم وامتيازاتهم ، وليس الحسد كما قال بعض المفسرين ، والدليل على ما قلناه قوله تعالى بلا فاصل : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ). لأنهم لا يعملون إلا للحياة الدنيا ، ولا يركنون إلا لترفها ولذاتها ، اما الانسانية ، اما الحق والخير فكلام فارغ.
(كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) مرة ثانية يزجر سبحانه المكذبين ، ثم بيّن لهم ولغيرهم ان هذا القرآن هو موعظة من الله لعباده ، وما هو بقول ساحر ولا شاعر (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) ، أي انتفع بأحكامه ومواعظه (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ). وتسأل : ان قوله تعالى أولا : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) معناه ان الإنسان مخير له حريته وارادته ، وقوله ثانيا : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) معناه ان الإنسان مسيّر لا حرية له ولا إرادة .. وهذا تناقض بحسب الظاهر ، فبأي شيء تدفعه؟.
الجواب : المراد بالمشيئة الأولى ان الله سبحانه يترك الإنسان وما يختار لنفسه من الايمان والكفر ، والمراد بالمشيئة الثانية ارادة الله تعالى ارغام الإنسان على الايمان وإلجاؤه اليه قهرا عنه ، وعليه يكون معنى الآيتين بمجموعهما ان الله قد ترك الخيار للإنسان في ان يؤمن أو يكفر ، كما في الآية ٢٩ من سورة الكهف : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ولكن الجحود العنود لا يؤمن بحال إلا إذا أجبره الله على الايمان ، وألجأه اليه رغما عنه ، ولا يكون هذا أبدا لأنه مخالف لعدل الله وحكمته ، فإن عدله تعالى وسننه في خلقه أن يبين لهم طريق الخير ويرغّبهم فيه ، وطريق الشر ويحذرهم منه ، ولكل أن يختار مصيره بنفسه وإلا بطل الثواب والعقاب ، ويؤيد هذا قوله تعالى بلا فاصل : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أي ان الله ، جلت عظمته ، هو أهل لأن يطاع في أوامره