الأنبياء من الهدى وأصول الدين ، والمراد بالقيمة المستقيمة على نهج الحق ، والمعنى ان محمدا (ص) لما جاء بالقرآن الذي فيه تبيان كل شيء أعرض عنه المشركون وأهل الكتاب ، ونكثوا العهد الذي كانوا قد أبرموه على أن يتحاكموا لدى النبي الموعود.
(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ). هذه البينة جاءت أهل الكتاب على ألسنة أنبيائهم ، فالمراد بها غير المراد بالبينة في الآية السابقة ، والمعنى ان أهل الكتاب تمادوا في الغي والضلال بإعراضهم عن دعوة محمد (ص) الذي جاءهم بالبينات تماما كما تمادوا في السفاهة والضلالة بعد أنبيائهم الذين جاءوهم بالأدلة والحجج ، وذلك ان اليهود انقسموا الى فرق بعد موسى ، وكذلك النصارى تفرقوا شيعا بعد عيسى ، وما كان هذا الاختلاف والانقسام عن جهل بالدين ، وإنما فرقتهم الأهواء والمنافع. وتقدم مثله في الآية ١٠٥ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٢٧ والآية ١٧ من سورة الجاثية.
(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). حنفاء جمع حنيف ، وهو من استقام على الحق مائلا عن كل باطل ، والمعنى ان أهل الكتاب تفرقوا في دينهم مع ان دين الله واحد وواضح ، وهو الإخلاص لله وحده ، والاستقامة على الحق والهدى ، واقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وهذا دين الكتب السماوية المستقيمة على الصراط القويم ، فمن أين جاء تعدد الأديان والطوائف والمذاهب؟. قال الشيخ محمد عبده : «هذا ما نعاه الله من حال أهل الكتاب ، فما نقول نحن في حالنا؟ ألا ينعى كتابنا الشاهد علينا بسوء أعمالنا في افتراقنا في الدين بعد أن صرنا فيه شيعا ، وملأناه بدعا ومحدثات». أنظر ج ١ ص ١٨٠ فقرة «أيضا المسلمون يكفر بعضهم بعضا».
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ). المراد بالكافرين هنا كل من جحد الحق الذي قام عليه الدليل ، سواء أجحده عنادا وبعد ان علم به ، أم لأنه يأبى البحث عن الحق والنظر اليه والى دليله ، وقد اتفق علماء المسلمين على ان حكم الجاهل المقصر في البحث عن الحق تماما كحكم العالم به التارك له عن قصد وعمد ، وليس من شك ان من أعرض