والحبك : بضمتين جمع حباك ككتاب وكتب ومثال ومثل ، أو جمع حبيكة مثل طريقة وطرق ، وهي مشتقة من الحبك بفتح فسكون وهو إجادة النسج وإتقان الصنع. فيجوز أن يكون المراد بحبك السماء نجومها لأنها تشبه الطرائق الموشاة في الثوب المحبوك المتقن. وروي عن الحسن وسعيد بن جبير وقيل الحبك : طرائق المجرّة التي تبدو ليلا في قبة الجو.
وقيل : طرائق السحاب. وفسر الحبك بإتقان الخلق. روي عن ابن عباس وعكرمة وقتادة. وهذا يقتضي أنهم جعلوا الحبك مصدرا أو اسم مصدر ، ولعله من النادر. وإجراء هذا الوصف على السماء إدماج أدمج به الاستدلال على قدرة الله تعالى مع الامتنان بحسن المرأى.
واعلم أن رواية رويت عن الحسن البصري أنه قرأ (الْحُبُكِ) بكسر الحاء وضم الباء وهي غير جارية على لغة من لغات العرب. وجعل بعض أئمة اللغة الحبك شاذا فالظن أن راويها أخطأ لأن وزن فعل بكسر الفاء وضم العين وزن مهمل في لغة العرب كلّهم لشدة ثقل الانتقال من الكسر إلى الضم مما سلمت منه اللغة العربية. ووجهت هذه القراءة بأنها من تداخل اللغات وهو توجيه ضعيف لأن إعمال تداخل اللغتين إنما يقبل إذا لم يفض إلى زنة مهجورة لأنها إذا هجرت بالأصالة فهجرها في التداخل أجدر ووجهها أبو حيان باتباع حركة الحاء لحركة تاء (ذاتِ) وهو أضعف من توجيه تداخل اللغتين فلا جدوى في التكلف.
والقول المختلف : المتناقض الذي يخالف بعضه بعضا فيقتضي بعضه إبطال بعض الذي هم فيه هو جميع أقوالهم والقرآن والرسول صلىاللهعليهوسلم وكذلك أقوالهم في دين الإشراك فإنها مختلفة مضطربة متناقضة فقالوا القرآن : سحر وشعر ، وقالوا (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها) [الفرقان : ٥] ، وقالوا (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧] ، وقالوا (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال : ٣١] وقالوا : مرة (فِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥] وغير ذلك ، وقالوا : وحي الشياطين.
وقالوا في الرسول صلىاللهعليهوسلم أقوالا : شاعر ، ساحر ، مجنون ، كاهن ، يعلمه بشر ، بعد أن كانوا يلقبونه الأمين. وقالوا في أصول شركهم بتعدد الآلهة مع اعترافهم بأن الله خالق كل شيء وقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) [الزمر : ٣] ، (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨].