والمدينة فهي ثالثة البقاع.
وقال ابن عطية : كانت مناة أعظم هذه الأوثان قدرا وأكثرها عابدا ولذلك قال تعالى: (الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) فأكدها بهاتين الصفتين.
والأحسن أن قوله : (الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) جرى على أسلوب العرب إذا أخبروا عن متعدد وكان فيه من يظنّ أنه غير داخل في الخبر لعظمة أو تباعد عن التلبس بمثل ما تلبس به نظراؤه أن يختموا الخبر فيقولوا : «وفلان هو الآخر» ووجهه هنا أن عبّاد مناة كثيرون في قبائل العرب فنبه على أن كثرة عبدتها لا يزيدها قوة على بقية الأصنام في مقام إبطال إلهيتها وكل ذلك جار مجرى التهكم والتسفيه.
وجملة (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) ارتقاء في الإبطال والتهكم والتسفيه كما تقدم ، وهي مجاراة لاعتقادهم أن تلك الأصنام الثلاثة بنات الله وأن الملائكة بنات الله ، أي أجعلتم لله البنات خاصة وأنتم تعلمون أن لكم أولادا ذكورا وإناثا وأنكم تفضلون الذكور وتكرهون الإناث وقد خصصتم الله بالإناث دون الذكور والله أولى بالفضل والكمال لو كنتم تعلمون فكان في هذا زيادة تشنيع لكفرهم إذ كان كفرا وسخافة عقل.
وكون العزّى ومناة عندهم اثنتين ظاهر من صيغة اسميهما ، وأما اللات فبقطع النظر عن اعتبار التاء في الاسم علامة تأنيث أو أصلا من الكلمة فهم كانوا يتوهمون اللات أنثى ، ولذلك قال أبو بكر رضياللهعنه لعروة بن مسعود الثقفي يوم الحديبية «امصص أو اعضض بظر اللات».
وتقديم المجرورين في (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) للاهتمام بالاختصاص الذي أفادته اللام اهتماما في مقام التهكم والتسفيه على أن في تقديم (وَلَهُ الْأُنْثى) «إفادة الاختصاص» أي دون الذكر.
وجملة (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) تعليل للإنكار والتهكم المفاد من الاستفهام في (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) ، أي قد جرتم في القسمة وما عدلتم فأنتم أحقاء بالإنكار.
والإشارة ب (تِلْكَ) إلى المذكور باعتبار الإخبار عنه بلفظ (قِسْمَةٌ) فإنه مؤنث اللفظ.
و (إِذاً) حرف جواب أريد به جواب الاستفهام الإنكاري ، أي ترتب على ما زعمتم أن ذلك قسمة ضيزى ، أي قسمتم قسمة جائرة.