القول في موقعها كالقول في موقع جملة (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) [النجم : ٤٠] سواء ، فيجوز أن تكون هذه الجملة معطوفة على جملة (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) فتكون تتمة لما في صحف موسى وإبراهيم ، ويكون الخطاب في قوله : (إِلى رَبِّكَ) التفاتا من الغيبة إلى الخطاب والمخاطب غير معين فكأنه قيل : وأن إلى ربه المنتهى ، وقد يكون نظيرها من كلام إبراهيم ما حكاه الله عنه بقوله : (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات: ٩٩].
ويجوز أنها ليست مما اشتملت عليه صحف موسى وإبراهيم ويكون عطفها عطف مفرد على مفرد ، فيكون المصدر المنسبك من (أَنَ) ومعمولها مدخولا للباء ، أي لم ينبأ بأن إلى ربك المنتهى ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم. وعليه فلا نتطلب لها نظيرا من كلام إبراهيمعليهالسلام.
ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى حكمه المحض الذي لا تلابسه أحكام هي في الظاهر من تصرفات المخلوقات مما هو شأن أمور الدنيا ، فالكلام على حذف مضاف دل عليه السياق.
والتعبير عن الله بلفظ (رَبِّكَ) تشريف للنبي صلىاللهعليهوسلم وتعريض بالتهديد لمكذبيه لأن شأن الرب الدفاع عن مربوبه.
وفي الآية معنى آخر وهو أن يكون المنتهى مجازا عن انتهاء السير ، بمعنى الوقوف ، لأن الوقوف انتهاء سير السائر ، ويكون الوقوف تمثيلا لحال المطيع لأمر الله تشبيها لأمر الله بالحد الذي تحدد به الحوائط على نحو قول أبي الشيص :
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي |
|
متأخّر عنه ولا متقدم |
كما عبر عن هذا المعنى بالوقوف عند الحد في قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٢٩]. والمعنى : التحذير من المخالفة لما أمر الله ونهى.
وفي الآية معنى ثالث وهو انتهاء دلالة الموجودات على وجود الله ووحدانيته لأن الناظر إلى الكائنات يعلم أن وجودها ممكن غير واجب فلا بد لها من موجود ، فإذا خيّلت الوسوسة للناظر أن يفرض للكائنات موجدا مما يبدو له من نحو الشمس أو القمر أو النار لما يرى فيها من عظم الفاعلية ، لم يلبث أن يظهر له أن ذلك المفروض لا يخلو عن تغير يدل على حدوثه فلا بد له من محدث أوجده فإذا ذهب الخيال يسلسل مفروضات الإلهية