ومناسبة الانتقال إلى هذه الجملة أن فيها كيفية ابتداء الحياة.
والمراد بالزوجين : الذكر والأنثى من خصوص الإنسان لأن سياق الكلام للاعتبار ببديع صنع الله وذلك أشد اتفاقا في خلقه الإنسان ، ولأن اعتبار الناس بما في أحوال أنفسهم أقرب وأمكن ولأن بعض الأزواج من الذكور والإناث لا يتخلق من نطفة بل من بيض وغيره.
ولعل وجه ذكر الزوجين والبدل منه (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) دون أن يقول : وأنه خلقه ، أي الإنسان من نطفة ، كما قال : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٥ ، ٦] الآية أمران :
أحدهما : إدماج الامتنان في أثناء ذكر الانفراد بالخلق بنعمة أن خلق لكل إنسان زوجه كما قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) [الروم : ٢١] الآية.
الثاني : الإشارة إلى أن لكلا الزوجين حظا من النطفة التي منها يخلق الإنسان فكانت للذكر نطفة وللمرأة نطفة كما ورد في الحديث الصحيح أنه «إذا سبق ماء الرجل أشبه المولود أباه وإن سبق ماء المرأة أشبه المولود أمه» ، وبهذا يظهر أن لكل من الذكر والأنثى نطفة وإن كان المتعارف عند الناس قبل القرآن أن النطفة هي ماء الرجل إلا أن القرآن يخاطب الناس بما يفهمون ويشير إلى ما لا يعلمون إلى أن يفهمه المتدبرون. وحسبك ما وقع بيانه بالحديث المذكور آنفا.
والنطفة : فعلة مشتقة من : نطف الماء ، إذا قطر ، فالنطفة ماء قليل وسمي ما منه النسل نطفة بمعنى منطوف ، أي مصبوب فماء الرجل مصبوب ، وماء المرأة أيضا مصبوب فإن ماء المرأة يخرج مع بويضة دقيقة تتسرب مع دم الحيض وتستقر في كيس دقيق فإذا باشر الذكر الأنثى انحدرت تلك البيضة من الأنثى واختلطت مع ماء الذكر في قرارة الرحم.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ نُطْفَةٍ) ابتدائية فإن خلق الإنسان آت وناشئ بواسطة النطفة ، فإذا تكونت النطفة وأمنيت ابتدأ خلق الإنسان.
و (تُمْنى) تدفق وفسروه بمعنى تقذف أيضا.
وقيل إن (تُمْنى) بمعنى تراق ، وجعلوا تسمية الوادي الذي بقرب مكة منى لأنه تراق به دماء البدن من الهدايا. ولم يذكر أهل اللغة في معاني مني أو أمنى أن منها الإراقة. وهذا من مشكلات اللغة.