ومما يشابه هذا ما قاله الواحدي في شرح قول المتنبي في سيف الدولة :
وقفت وما في الموت شك لواقف |
|
كأنك في جن الردى وهو نائم |
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة |
|
ووجهك وضاء وثغرك باسم |
أنه لما أنشد هذين البيتين أنكر عليه سيف الدولة تطبيق عجزي البيتين على صدريهما وقال : ينبغي أن تطبق عجز الأول على الثاني وعجز الثاني على الأول ثم قال له: وأنت في هذا مثل امرئ القيس في قوله :
كأني لم أركب جوادا للذة |
|
ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال |
ولم أسبإ الزق الرويّ ولم أقل |
|
لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال |
ووجه الكلام في البيتين على ما قاله أهل العلم بالشعر أن يكون عجز الأول على الثاني والثاني على الأول (أي مع نقل كلمة (للذة) من صدر الأول إلى الثاني ، وكلمة (ولم أقل) من صدر الثاني إلى الأول ليستقيم الكلام) فيكون ركوب الخيل مع الأمر للخيل بالكرّ وسبأ الخمر مع تبطّن الكاعب فقال أبو الطيب : «أدام الله عز مولانا إن صح أن الذي استدرك هذا على امرئ القيس أعلم منه بالشعر فقد أخطأ إمرؤ القيس وأخطأت أنا ، ومولانا يعرف أن البزّاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك لأن البزاز يعرف جملته والحائك يعرف جملته وتفصيله ، وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء ، وإنما لما ذكرت الموت في أول البيت اتبعته بذكر الردى ليجانسه ، ولما كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوسا وعينه من أن تكون باكية قلت : ووجهك وضاء ، لأجمع بين الأضداد في المعنى» اه.
ولو أن أبا الطيب شعر بهذه الآية لذكرها لسيف الدولة فكانت له أقوى حجة من تأويله شعر امرئ القيس.
وفي جملة (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ) تحقيق لفعله إياها شبها بالحق الواجب على المحقوق به بحيث لا يتخلف فكأنه حق واجب لأن الله وعد بحصول بما اقتضته الحكمة الإلهية لظهور أن الله لا يكرهه شيء ، فالمعنى : أن الله أراد النشأة الأخرى كقوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [الأنعام : ١٢].
و (النَّشْأَةَ) : المرة من الإنشاء ، أي الإيجاد والخلق.