فصل الشتاء فاشتق له اسم آلة الرّزم وهو شدة البرد (فإنهم كنّوا ريح الشّمال أمّ رزم).
وكان كوكب الشعرى عبدته خزاعة والذي سنّ عبادته رجل من سادة خزاعة يكنى أبا كبشة. واختلف في اسمه ففي «تاج العروس» عن الكلبي أن اسمه جزء (بجيم وزاي وهمزة). وعن الدار قطني أنه وجز (بواو وجيم وزاي) بن غالب بن عامر بن الحارث بن غبشان كذا في «التاج» ، والذي في «جمهرة ابن حزم» أن الحارث هو غبشان الخزاعي. ومنهم من قال : إن اسم أبي كبشة عبد الشعرى. ولا أحسب إلا أن هذا وصف غلب عليه بعد أن اتخذ الشّعرى معبودا له ولقومه ، ولم يعرج ابن حزم في «الجمهرة» على ذكر أبي كبشة.
والذي عليه الجمهور أن الشّعرى لم يعبدها من قبائل العرب إلّا خزاعة. وفي «تفسير القرطبي» عن السدّي أن حمير عبدوا الشعرى.
وكانت قريش تدعو رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا كبشة خيل لمخالفته إياهم في عبادة الأصنام ، وكانوا يصفونه بابن أبي كبشة. قيل لأن أبا كبشة كان من أجداد النبي صلىاللهعليهوسلم من قبل أمه يعرّضون أو يموّهون على دهمائهم بأنه يدعو إلى عبادة الشعرى يريدون التغطية على الدعوة إلى توحيد الله تعالى فمن ذلك قولهم لما أراهم انشقاق القمر «سحركم ابن أبي كبشة» وقول أبي سفيان للنفر الذين كانوا معه في حضرة هرقل «لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر».
قال ابن أبي الأصبع «في هذه الآية من البديع محسن التنكيت وهو أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسده مسد لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه فقوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) خص الشعرى بالذكر دون غيرها من النجوم لأن العرب كان ظهر فيهم رجل يعرف بأبي كبشة عبد الشعرى ودعا خلقا إلى عبادتها».
وتخصيص الشعرى بالذكر في هاته السورة أنه تقدم ذكر اللّات والعزّى ومناة وهي معبودات وهمية لا مسميات لها كما قال تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) [النجم : ٢٣] وأعقبها بإبطال إلهية الملائكة وهي من الموجودات المجردات الخفية ، أعقب ذلك بإبطال عبادة الكواكب وخزاعة أجوار لأهل مكة فلما عبدوا الشعرى ظهرت عبادة الكواكب في الحجاز ، وإثبات أنها مخلوقة لله تعالى دليل على إبطال إلهيتها لأن المخلوق لا يكون إلها ، وذلك مثل قوله تعالى : (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) [فصلت : ٣٧] مع ما في لفظ الشعرى من مناسبة فواصل هذه السورة.