من حال يختص به مستعمل هنا في التسوية كناية عن تساوي ما عدد من الأمور في أنها نعم على الرسول صلىاللهعليهوسلم إذ ليس لواحد من هذه المعدودات نقص عن نظائره في النعمة كقول فاطمة بنت الخرشب (وقد سئلت : أيّ بنيك أفضل) «ثكلتهم إن كنت أدرى أيهم أفضل» ، أي إن كنت أدري جواب هذا السؤال ، وكقول الأعشى :
بأشجع أخّاذ على الدهر حكمه |
|
فمن أي ما تأتي الحوادث أفرق |
والمقصود من هذا الاستفهام تذكير النبي صلىاللهعليهوسلم بهذه النعم.
فالمعنى أنك لا تحصل لك مرية في واحدة من آلاء ربك فإنها سواء في الإنعام ، والخطاب بقوله : (رَبِّكَ) الأظهر أنه للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو المناسب لذكر الآلاء والموافق لإضافة (رب) إلى ضمير المفرد المخاطب في عرف القرآن.
وجوزوا أن يكون الخطاب في قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ) لغير معين من الناس ، أي المكذبين أي باعتبار أنه لا يخلو شيء مما عدد سابقا عن نعمة لبعض الناس أو باعتبار عدم تخصيص الآلاء بما سبق ذكره بل المراد جنس الآلاء كما في قوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ١٦].
والآلاء : النعم ، وهو جمع مفرده : إلى ، بكسر الهمزة وبفتحها مع فتح اللام مقصورا ، ويقال : إلى ، وألي ، بسكون اللام فيهما وآخره ياء متحركة ، ويقال : ألو ، بهمز مفتوحة بعدها لام ساكنة وآخره واو متحركة مثل : دلو.
والتماري : التشكك وهو تفاعل من المرية فإن كان الخطاب بقوله : (رَبِّكَ) للنبيصلىاللهعليهوسلم كان (تَتَمارى) مطاوع ماراه مثل التدافع مطاوع دفع في قول المنخّل :
فدفعتها فتدافعت |
|
مشي القطاة إلى الغدير |
والمعنى : فبأي آلاء ربك يشككونك ، وهذا ينظر إلى قوله تعالى : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) [النجم : ١٢] ، أي لا يستطيعون أن يشككوك في حصول آلاء ربك التي هي نعم النبوءة والتي منها رؤيته جبريل عند سدرة المنتهى. فالكلام مسوق لتأييس المشركين من الطمع في الكف عنهم.
وإن كان الخطاب لغير معين كان (تَتَمارى) تفاعلا مستعملا في المبالغة في حصول الفعل ، ولا يعرف فعل مجرد للمراء ، وإنما يقال : امترى ، إذا شك.