وعرّف (قَوْمُ نُوحٍ) بالإضافة إلى اسمه إذ لم تكن للأمة في زمن نوح اسم يعرفون به.
وأسند التكذيب إلى جميع القوم لأن الذين صدقوه عدد قليل فإنه ما آمن به إلا قليل ، كما تقدم في سورة هود.
والفاء في قوله : (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) لتفريع الإخبار بتفصيل تكذيبهم إياه بأنهم قالوا : (مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) ، على الإخبار بأنهم كذّبوه على الإجمال ، وإنما جيء بهذا الأسلوب لأنه لما كان المقصود من الخبر الأول تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم فرّع عليه الإخبار بحصول المشابهة بين تكذيب قوم نوح رسولهم وتكذيب المشركين محمدا صلىاللهعليهوسلم في أنه تكذيب لمن أرسله الله واصطفاه بالعبودية الخاصة ، وفي أنه تكذيب مشوب ببهتان إذ قال كلا الفريقين لرسوله : مجنون ، ومشوب ببذاءة إذ آذى كلا الفريقين رسولهم وازدجروه. فمحل التفريع هو وصف نوح بعبودية الله تكريما له ، والإخبار عن قومه بأنهم افتروا عليه وصفه بالجنون ، واعتدوا عليه بالأذى والازدجار. فأصل تركيب الكلام : كذبت قبلهم قوم نوح فقالوا : مجنون وازدجر. ولما أريد الإيماء إلى تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم ابتداء جعل ما بعد التسلية مفرعا بفاء التفريع ليظهر قصد استقلال ما قبله ولو لا ذلك لكان الكلام غنيا عن الفاء إذ كان يقول : كذبت قوم نوح عبدنا.
وأعيد فعل (فَكَذَّبُوا) لإفادة توكيد التكذيب ، أي هو تكذيب قويّ كقوله تعالى: (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) [الشعراء : ١٣٠] وقوله : (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) [القصص : ٦٣] ، وقول الأحوص :
فإذا تزول تزول عن متخمط |
|
تخشى بوادره على الأقران |
وقد نبه على ذلك ابن جنيّ في إعراب هذا البيت من «ديوان الحماسة» ، وذكر أن أبا عليّ الفارسي نحا غير هذا الوجه ولم يبيّنه.
وحاصل نظم الكلام يرجع إلى معنى : أنه حصل فعل فكان حصوله على صفة خاصة أو طريقة خاصة.
ويجوز أن يكون فعل (كَذَّبَتْ) مستعملا في معنى : إنهم اعتقدوا كذبه ، فتفريع (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) عليه تفريع تصريحهم بتكذيبه على اعتقادهم كذبه. فيكون فعل (فَكَذَّبُوا) مستعملا في معنى غير الذي استعمل فيه فعل (كَذَّبَتْ) ، والتفريع ظاهر على هذا الوجه.