من قوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) الآية ، ونظيره قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] ثم قوله : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [النبأ : ٢] الآية.
وعطف (وَنُذُرِ) على (عَذابِي) بتقدير مضاف دل عليه المقام ، والتقدير : وعاقبة نذري ، أي انذاراتي لهم ، أي كيف كان تحقيق الوعيد الذي أنذرهم.
ونذر : جمع نذير بالمعنى المصدري كما تقدم في أوائل السورة وقد علمت بما ذكرنا أن جملة «فكيف كان عذابي ونذري» هذه ليست تكريرا لنظيرها السابق في خبر قوم نوح ، ولا اللاحق في آخر قصة عاد للاختلاف الذي علمته بين مفادها ومفاد مماثلتها وإن اتحدت ألفاظهما.
والبليغ يتفطن للتغاير بينهما فيصرفه عن توهم أن تكون هذه تكريرا فإنه لما لم يسبق وصف عذاب عاد لم يستقم أن يكون قوله : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) تعجيبا من حالة عذابهم.
وقوله : (وَنُذُرِ) موعظة من تحقق وعيد الله إياهم ، وقد أشار الفخر إلى هذا وقفينا عليه ببسط وتوجيه. وأصل السؤال عن تكرير هذه الجملة أثناء قصة عاد هنا أورده في كتاب «درة التنزيل وغرة التأويل» المنسوب إلى الفخر وإلى الراغب إلا أن كلام الفخر في «التفسير» أجدر بالتعويل مما في «درة التنزيل».
وجملة (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) إلخ بيان للإجمال الذي في قوله : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ). وهو في صورة جواب للاستفهام الصوري. وكلتا الجملتين يفيد تعريضا بتهديد المشركين بعذاب على تكذيبهم.
وجملة البيان إنما اتصف حال العذاب دون حال الإنذار ، أو حال رسولهم وهو اكتفاء لأن التكذيب يتضمن مجيء نذير إليهم وفي مفعول (كَذَّبَتْ) المحذوف إشعار برسولهم الذي كذبوه وبعث الرسول وتكذيبهم إياه بتضمن الإنذار لأنهم لما كذبوه حق عليه إنذارهم.
وتعدية إرسال الريح إلى ضميرهم هي كإسناد التكذيب إليهم بناء على الغالب وقد أنجى الله هودا والذين معه كما علمت آنفا أو هو عائد إلى المكذبين بقرينة قوله : (كَذَّبَتْ عادٌ).
والصرصر : الشديدة القوية يكون لها صوت ، وتقدم في سورة فصّلت.