أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) [القمر : ٥١].
فالباء في (بِقَدَرٍ) للملابسة ، والمجرور ظرف مستقر ، فهو في حكم المفعول الثاني لفعل (خَلَقْناهُ) لأنه مقصود بذاته ، إذ ليس المقصود الإعلام بأن كل شيء مخلوق لله ، فإن ذلك لا يحتاج إلى الإعلام به بله تأكيده بل المقصود إظهار معنى العلم والحكمة في الجزاء كما في قوله تعالى في سورة الرعد [٨] (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ).
ومما يستلزمه معنى القدر أن كل شيء مخلوق هو جار على وفق علم الله وإرادته لأنه خالق أصول الأشياء وجاعل القوى فيها لتنبعث عنها آثارها ومتولّداتها ، فهو عالم بذلك ومريد لوقوعه. وهذا قد سمي بالقدر في اصطلاح الشريعة كما جاء في حديث جبريل الصحيح في ذكر ما يقع به الإيمان : «وتؤمن بالقدر خيره وشره».
وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة : «جاء مشركو قريش يخاصمون رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في القدر فنزلت : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ* إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر : ٤٨ ، ٤٩]. ولم يذكر راوي الحديث تعيين معنى القدر الذي خاصم فيه كفار قريش فبقي مجملا ويظهر أنهم خاصموا جدلا ليدفعوا عن أنفسهم التعنيف بعبادة الأصنام كما قالوا : (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف : ٢٠] ، أي جدلا للنبي صلىاللهعليهوسلم بموجب ما يقوله من أن كل كائن بقدر الله جهلا منهم بمعاني القدر.
قال عياض في «الإكمال» «ظاهره أن المراد بالقدر هنا مراد الله ومشيئته وما سيق به قدره من ذلك ، وهو دليل مساق القصة التي نزلت بسببها الآية» اه. وقال الباجي في «المنتقى» : «يحتمل من جهة اللغة معاني :
أحدها : أن يكون القدر هاهنا بمعنى مقدر لا يزاد عليه ولا ينقص كما قال تعالى : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق : ٣].
والثاني : أن المراد أنه بقدرته ، كما قال : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة : ٤].
والثالث : بقدر ، أي نخلقه في وقته ، أي نقدّر له وقتا نخلقه فيه» اه.
قلت : وإذ كان لفظ (قدر) جنسا ، ووقع معلّقا بفعل متعلق بضمير (كُلَّ شَيْءٍ) الدال على العموم كان ذلك اللفظ عاما للمعاني كلها فكل ما خلقه الله فخلقه بقدر ، وسبب النزول لا يخصص العموم ، ولا يناكد موقع هذا التذييل على أن السلف كانوا يطلقون