تعقيب النذارة بالبشارة والعكس.
وافتتاح هذا الخبر بحرف (إِنَ) للاهتمام به.
و (فِي) من قوله : (فِي جَنَّاتٍ) للظرفية المجازية التي هي بمعنى التلبس القوي كتلبس المظروف بالظرف ، والمراد في نعيم جنات ونهر فإن للجنات والأنهار لذات متعارفة من اللهو والأنس والمحادثة ، واجتناء الفواكه ، ورؤية جريان الجداول وخرير الماء ، وأصوات الطيور ، وألوان السوابح.
وبهذا الاعتبار عطف (نَهَرٍ) على (جَنَّاتٍ) إذ ليس المراد الإخبار بأنهم ساكنون جنات فإن ذلك يغني عنه قوله بعد : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) ، ولا أنهم منغمسون في أنهار إذ لم يكن ذلك مما يقصده السامعون.
ونهر : بفتحتين لغة في نهر بفتح فسكون. والمراد به اسم الجنس الصادق بالمتعدد لقوله تعالى : (مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) [الأعراف : ٤٣] ، وقوله : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) إما في محل الحال من المتقين وإما في محل الخبر الثاني ل (إِنَ).
والمقعد : مكان القعود. والقعود هنا بمعنى الإقامة المطمئنة كما في قوله تعالى : (اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) [التوبة : ٤٦].
والصدق : أصله مطابقة الخبر للواقع ثم شاعت له استعمالات نشأت عن مجاز أو استعارة ترجع إلى معنى مصادفة أحد الشّيء على ما يناسب كمال أحوال جنسه ، فيقال : هو رجل صدق ، أي تمام رجلة ، وقال تأبط شرا :
إني لمهد من ثنائي فقاصد |
|
به لابن عمّ الصدق شمس بن مالك |
أي ابن العم حقا ، أي موف بحق القرابة.
وقال تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) [يونس : ٩٣] وقال في دعاء إبراهيم عليهالسلام (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء : ٨٤] ويسمى الحبيب الثابت المحبة صديقا وصدّيقا.
فمقعد صدق ، أي مقعد كامل في جنسه مرضي للمستقر فيه فلا يكون فيه استفزاز ولا زوال ، وإضافة (مَقْعَدِ) إلى (صِدْقٍ) من إضافة الموصوف إلى صفته للمبالغة في تمكن الصفة منه.