والمقصود الأصلي : التعريض بالمشركين وتوبيخهم على أن أشركوا في العبادة مع المنعم غير المنعم ، والشهادة عليهم بتوحيد المؤمنين ، والتكذيب مستعمل في الجحود والإنكار.
وقيل التثنية جرت على طريقة في الكلام العربي أن يخاطبوا الواحد بصيغة المثنى كقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [ق : ٢٤] ذكر ذلك الطبري والنسفي.
ويجوز أن تكون التثنية قائمة مقام تكرير اللفظ لتأكيد المعنى مثل : لبيك وسعديك ، ومعنى هذا أن الخطاب لواحد وهو الإنسان.
وقال جمهور المفسرين : هو خطاب للإنس والجن ، وهذا بعيد لأن القرآن نزل لخطاب الناس ووعظهم ولم يأت لخطاب الجن ، فلا يتعرض القرآن لخطابهم ، وما ورد في القرآن من وقوع اهتداء نفر من الجن بالقرآن في سورة الأحقاف وفي سورة الجن يحمل على أن الله كلّف الجن باتباع ما يتبين لهم في إدراكهم ، وقد يكلف الله أصنافا بما هم أهل له دون غيرهم ، كما كلّف أهل العلم بالنظر في العقائد وكما كلّفهم بالاجتهاد في الفروع ولم يكلف العامة بذلك ، فما جاء في القرآن من ذكر الجن فهو في سياق الحكاية عن تصرفات الله فيهم وليس لتوجيه العمل بالشريعة.
وأما ما رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله الأنصاري «أن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن وهم ساكتون فقال لهم «لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم ، كنت كلما أتيت على قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قالوا : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد». قال الترمذي : هو حديث غريب وفي سنده زهير بن محمد وقد ضعفه البخاري وأحمد بن حنبل.
وهذا الحديث لو صح فليس تفسيرا لضمير التثنية لأن الجن سمعوا ذلك بعد نزوله فلا يقتضي أنهم المخاطبون به وإنما كانوا مقتدين بالذين خاطبهم الله ، وقيل الخطاب للذكور والإناث وهو بعيد.
والتكذيب مستعمل في معنى الجحد والإنكار مجازا لتشنيع هذا الجحد.
وتكذيب الآلاء كناية عن الإشراك بالله في الإلهية. والمعنى : فبأي نعمة من نعم الله عليكم تنكرون أنها نعمة عليكم فأشركتم فيها غيره بله إنكار جميع نعمه إذ تعبدون غيره دواما.