ووقوع هذه الجملة عقب ما عدد من النعم فيه إيماء إلى أن مصير نعم الدنيا إلى الفناء.
والجملة استئناف ابتدائي.
وضمير (عَلَيْها) مراد به الأرض بقرينة المقام مثل (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص: ٣٢] ، أي الشمس ومثله في القرآن وكثير وفي كلام البلغاء.
ومعنى (فانٍ) : أنه صائر إلى الفناء ، فهذا من استعمال اسم الفاعل لزمان الاستقبال بالقرينة مثل (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠].
والمراد ب (مَنْ عَلَيْها) : الناس لأنهم المقصود بهذه العبر ، ولذلك جيء ب (من) الموصولة الخاصة بالعقلاء.
والمعنى : أن مصير جميع من على الأرض إلى الفناء ، وهذا تذكير بالموت وما بعده من الجزاء.
و (وَجْهُ رَبِّكَ) : ذاته ، فذكر الوجه هنا جار على عرف كلام العرب. قال في «الكشاف» : والوجه يعبر به عن الجملة والذات اه.
وقد أضيف إلى اسمه تعالى لفظ الوجه بمعان مختلفة منها ما هنا ومنها قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] وقوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) [الإنسان : ٩].
وقد علم السامعون أن الله تعالى يستحيل أن يكون له وجه بالمعنى الحقيقي وهو الجزء الذي في الرأس.
واصطلح علماء العقائد على تسمية مثل هذا بالمتشابه وكان السلف يحجمون عن الخوض في ذلك مع اليقين باستحالة ظاهره على الله تعالى ، ثم تناوله علماء التابعين ومن بعدهم بالتأويل تدريجا إلى أن اتضح وجه التأويل بالجري على قواعد علم المعاني فزال الخفاء ، واندفع الجفاء ، وكلا الفريقين خيرة الحنفاء.
وضمير المخاطب في قوله : (وَجْهُ رَبِّكَ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وفيه تعظيم لقدر النبيصلىاللهعليهوسلم كما تقدم غير مرة.
والمقصود تبليغه إلى الذين يتلى عليهم القرآن ليذكّروا ويعتبروا. ويجوز أن يكون خطابا لغير معيّن ليعمّ كل مخاطب.