وجملة (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) استئناف بياني ناشئ عن قوله : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) إلخ وهو اعتراض بين جملى (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) وبين جملة (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) [الواقعة : ٨] إلخ.
والجواب قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ* وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) [الواقعة : ٨ ، ٩] ، فيفد جوابا للشرط ويفيد تفصيل جملة (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) [الواقعة : ٧] ، وتكون الفاء مستعملة في معنيين : ربط الجواب ، والتفريع ، وتكون جملة (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) وما بعده اعتراضا.
والواقعة أصلها : الحادثة التي وقعت ، أي حصلت ، يقال : وقع أمر ، أي حصل كما يقال : صدق الخبر مطابقته للواقع ، أي كون المعنى المفهوم منه موافقا لمسمى ذلك المعنى في الوجود الحاصل أو المتوقع على حسب ذلك المعنى ، ومن ذلك حادثة الحرب يقال : واقعة ذي قار ، وواقعة القادسية.
فراعوا في تأنيثها معنى الحادث أو الكائنة أو الساعة ، وهو تأنيث كثير في اللغة جار على ألسنة العرب لا يكونون راعوا فيه إلا معنى الحادثة أو الساعة أو نحو ذلك ، وقريب منه قولهم : دارت عليه الدائرة ، قال تعالى : (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) [المائدة : ٥٢] وقال : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) [التوبة : ٩٨].
والمراد بالواقعة هنا القيامة فجعل هذا الوصف علما لها بالغلبة في اصطلاح القرآن قال تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [الحاقة : ١٥] كما سميت الصاخّة والطامّة والآزفة ، أي الساعة الواقعة. وبهذا الاعتبار صار في قوله : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) محسن التجنيس.
و (الْواقِعَةُ) : الموصوفة بالوقوع ، وهو الحدوث.
و (كاذِبَةٌ) يجوز أن يكون اسم فاعل من كذب المجرد ، جرى على التأنيث للدلالة على أنه وصف لمحذوف مؤنث اللفظ. وتقديره هنا نفس ، أي تنتفي كل نفس كاذبة ، فيجوز أن يكون من كذب اللازم إذا قال خلاف ما في نفس الأمر وذلك أن منكري القيامة يقولون : لا تقع القيامة فيكذبون في ذلك فإذا وقعت آمنت النفوس كلها بوقوعها فلم تبق نفس تكذب ، أي في شأنها أو في الإخبار عنها. وذلك التقدير كله مما يدل عليه المقام.
ويجوز أن يكون من كذب المتعدي مثل الذي في قولهم كذبت فلانا نفسه ، أي حدثته نفسه ، أي رأيه بحديث كذب وذلك أن اعتقاد المنكر للبعث اعتقاد سوّله له عقله القاصر فكأنّ نفسه حدثته حديثا كذبته به ، ويقولون : كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم ،