والقول في (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) نظير قوله : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) [الواقعة : ٥٨].
و (ما تَحْرُثُونَ) موصول وصلة والعائد محذوف.
والحرث : شق الأرض ليزرع فيها أو يغرس.
وظاهر قوله : (ما تَحْرُثُونَ) أنه الأرض إلا أن هذا لا يلائم ضمير (تَزْرَعُونَهُ) فتعين تأويل (ما تَحْرُثُونَ) بأن يقدر : ما تحرثون له ، أي لأجله على طريقة الحذف والإيصال ، والذي يحرثون لأجله هو النبات ، وقد دل على هذا ضمير النصب في (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) لأنه استفهام في معنى النفي والذي ينفى هو ما ينبت من الحب لا بذره.
فإن فعل (زرع) يطلق بمعنى : أنبت ، قال الراغب : الزرع ، الإنبات ، لقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) فنفى عنهم الزرع ونسبه إلى نفسه اه واقتصر عليه ، ويطلق فعل (زرع) بمعنى : بذر الحب في الأرض لقول صاحب «لسان العرب» : زرع الحب : بذره ، أي ومنه سمي الحب الذي يبذر في الأرض زريعة لكن لا ينبغي حمل الآية على هذا الإطلاق. فالمعنى : أفرأيتم الذي تحرثون الأرض لأجله ، وهو النبات ما أنتم تنبتونه بل نحن ننبته.
وجملة (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) إلخ بيان لجملة (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) كما تقدم في (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) [الواقعة : ٥٩] والاستفهام في (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) إنكاري كالذي في قوله : (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ).
والقول في موقع (أَمْ) من قوله : (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) كالقول في موقع نظيرتها من قوله : (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) [الواقعة : ٥٩] أي أن (أم) منقطعة للإضراب.
وكذلك القول في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) مثل ما في قوله : (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) [الواقعة : ٥٩].
وكذلك القول في نفي الزرع عنهم وإثباته لله تعالى يفيد معنى قصر الزّرع ، أي الإنبات على الله تعالى ، أي دونهم ، وهو قصر مبالغة لعدم الاعتداد بزرع الناس.
ويؤخذ من الآية إيماء لتمثيل خلق الأجسام خلقا ثانيا مع الانتساب بين الأجسام البالية والأجسام المجددة منها بنبات الزرع من الحبة التي هي منتسبة إلى سنبلة زرع أخذت