وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [الواقعة : ٤٧] ، انتقل به إلى التنويه بالقرآن لأنهم لما كذبوا بالبعث وكان إثبات البعث من أهم ما جاء به القرآن وكان مما أغراهم بتكذيب القرآن اشتماله على إثبات البعث الذي عدّوه محالا ، زيادة على تكذيبهم به في غير ذلك مما جاء به من إبطال شركهم وأكاذيبهم ، فلما قامت الحجة على خطئهم في تكذيبهم ، فقد تبين صدق ما أنبأهم به القرآن فثبت صدقه ولذلك تهيّأ المقام للتنويه بشأنه.
والفاء لتفريع القسم على ما سبق من أدلة وقوع البعث فإن قوله : (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ) [الواقعة : ٤٩ ، ٥٠] ، إخبار بيوم البعث وإنذار لهم به وهم قد أنكروه ، ولأجل استحالته في نظرهم القاصر كذبوا القرآن وكذّبوا من جاء به ، ففرع على تحقيق وقوع البعث والإنذار به تحقيق أن القرآن منزه عن النقائص وأنه تنزيل من الله وأن الذي جاء به مبلغ عن الله.
فتفريع القسم تفريع معنويّ باعتبار المقسم عليه ، وهو أيضا تفريع ذكري باعتبار إنشاء القسم إن قالوا لكم : أقسم بمواقع النجوم.
وقد جاء تفريع القسم على ما قبله بالفاء تفريعا في مجرد الذكر في قول زهير :
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله |
|
رجال بنوه من قريش وجرهم |
عقب أبيات النسيب من معلّقته ، وليس بين النسيب وبين ما تفرع عنه من القسم مناسبة وإنما أراد أن ما بعد الفاء هو المقصود من القصيد ، وإنما قدم له النسيب تنشيطا للسامع وبذلك يظهر البون في النظم بين الآية وبين بيت زهير.
و (فَلا أُقْسِمُ) بمعنى : أقسم ، و (لا) مزيدة للتوكيد ، وأصلها نافية تدل على أن القائل لا يقدم على القسم بما أقسم به خشية سوء عاقبة الكذب في القسم.
وبمعنى أنه غير محتاج إلى القسم لأن الأمر واضح الثبوت ، ثم كثر هذا الاستعمال فصار مرادا تأكيد الخبر فساوى القسم بدليل قوله عقبه : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) ، وهذا الوجه الثاني هو الأنسب بما وقع من مثله في القرآن.
وعلى الوجهين فهو إدماج للتنويه بشأن ما لو كان مقسما لأقسم به. وعلى الوجه الثاني يكون قوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ) بمعنى : وإن المذكور لشيء عظيم يقسم به المقسمون ، فإطلاق قسم عليه من إطلاق المصدر وإرادة المفعول كالخلق بمعنى المخلوق.
وعن سعيد بن جبير وبعض المفسرين : أنهم جعلوا (لا) حرفا مستقلا عن فعل