أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠))
قوله : (وَفِي مُوسى) عطف على قوله : (فِيها آيَةً) [الذاريات : ٣٧].
والتقدير : وتركنا في موسى آية ، فهذا العطف من عطف جملة على جملة لتقدير فعل: تركنا ، بعد واو العطف ، والكلام على حذف مضاف أي في قصة موسى حين أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى إلخ ، فيكون الترك المقدر في حرف العطف مرادا به جعل الدلالة باقية فكأنها متروكة في الموضع لا تنقل منه كما تقدم آنفا في بيت عنترة.
وأعقب قصة قوم لوط بقصة موسى وفرعون لشهرة أمر موسى وشريعته ، فالترك المقدر مستعمل في مجازيه المرسل والاستعارة. وفي الواو استخدام مثل استخدام الضمير في قول معاوية بن مالك الملقب معوّد الحكماء (لقبوه به لقوله في ذكر قصيدته) :
أعوّد مثلها الحكماء بعدي |
|
إذا ما ألحق في الحدثان نابا |
إذا نزل السماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا |
والمعنى : أن قصة موسى آية دائمة. وعقبت قصة قوم لوط بقصة موسى وفرعون لما بينهما من تناسب في أن العذاب الذي عذب به الأمّتان عذاب أرضي إذ عذب قوم لوط بالحجارة التي هي من طين ، وعذب قوم فرعون بالغرق في البحر ، ثم ذكر عاد وثمود وكان عذابهما سماويا إذ عذبت عاد بالريح وثمود بالصاعقة.
والسلطان المبين : الحجة الواضحة وهي المعجزات التي أظهرها لفرعون من انقلاب العصا حية ، وما تلاها من الآيات الثمان.
والتولي حقيقته : الانصراف عن المكان. والركن حقيقته : ما يعتمد عليه من بناء ونحوه ، ويسمى الجسد ركنا لأنه عماد عمل الإنسان.
وقوله : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) تمثيل لهيئة رفضه دعوة موسى بهيئة المنصرف عن شخص. وبإيراد قوله : (بِرُكْنِهِ) تمّ التمثيل ولولاه لكان قوله : (فَتَوَلَّى) مجرد استعارة.
والباء للملابسة ، أي ملابسا ركنه كما في قوله : (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) [الإسراء: ٨٣].
والمليم : الذي يجعل غيره لائما عليه ، أي وهو مذنب ذنبا يلومه الله عليه ، أي